إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ } أعمالكم سواءٌ كانت لازمةً لأنفسكم أو متعديةً إلى الغير ، أي عمِلتموها على الوجه اللائقِ ولا يُتصور ذلك إلا بعد أن تكون الأعمالُ حسنةً في أنفسها وإن فعلتم الإحسان { أَحْسَنتُمْ لأنفسكم } لأن ثوابَها لها { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } أعمالَكم بأن عملتموها لا على الوجه اللائق ويلزمه السوءُ الذاتيُّ أو فعلتم الإساءة { فَلَهَا } إذ عليها وبالها ، وعن علي كرم الله وجهه : ما أحسنتُ إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها { فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة } حان وقت ما وُعد من عقوبة المرة الآخرة { لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ } متعلقٌ بفعل حُذف لدلالة ما سبق عليه ، أي بعثناهم ليسوؤا ومعنى ليسوؤا وجوهَكم ليجعلوا آثارَ المساءة والكآبةِ باديةً في وجوهكم كقوله تعالى : { سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ } وقرئ ليَسوءَ على أن الضمير لله تعالى أو للوعد أو للبعث ، ولنسوءَ بنون العظمةِ ، وفي قراءة علي رضي الله عنه : لَنَسُوأنّ على أنه جوابُ إذا ، وقرئ لنَسوأنْ بالنون الخفيفة ولَيسوأنّ واللام في قوله عز وجل : { وَلِيَدْخُلُواْ المسجد } عطف على ليسوؤا متعلقٌ بما تعلق هو به { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي في أول مرةٍ { وَلِيُتَبّرُواْ } أي يهلكوا { مَا عَلَوْاْ } ما غلبوه واستولَوْا عليه أو مدةَ علوِّهم { تَتْبِيرًا } فظيعاً لا يوصف بأن سلط الله عز سلطانه عليهم الفرسَ فغزاهم ملكُ بابِلَ من ملوك الطوائف اسمُه جودرد ، وقيل : جردوس ، وقيل : دخل صاحبُ الجيش فذبح قرابينَهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه ، فقالوا : دمُ قربانٍ لم يقبل منا ، فقال : لم تصْدُقوني ، فقتل على ذلك ألوفاً فلم يهدأ الدم ، ثم قال : إن لم تصْدُقوني ما تركت منكم أحد ، فقالوا : إنه دمُ يحيى بنِ زكريا عليهما الصلاة والسلام ، فقال : لمثل هذا ينتقم منكم ربُّكم ، ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربُّك ما أصاب قومَك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أُبقيَ منهم أحداً ، فهدأ .