غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

1

ولما حكى عنهم أنهم حين عصوا سلط عليهم أعداءهم مهد قاعدة كلية في الإحسان والإساءة قائلاً { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } لم يقل فعليها أو فإليها للتقابل ، مع أن حروف الإضافة بعضها يقوم مقام البعض . قال أهل الإشارة : إنه أعاد الإحسان ولم يذكر الإساءة إلا مرة ففيه دليل على أن جانب الرحمة أغلب { فإذا جاء وعد } عقاب المرة { الآخرة } بعثناهم حذف جواب " إذاً " لدلالة ذكره أولاً عليه . ومعنى { ليسئوا وجوهكم } ليجعلها الله ، أو الوعد ، أو البعث ، أو ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها لأن آثار الأعراض النفسانية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه { وليتبروا ما علوا } ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه ، ويجوز أن يكون " ما " بمعنى المدة أي ما دام سلطانهم جارياً على بني إسرائيل . وقوله : { تتبيراً } ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقاً للخبر . وروى أن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء وذلك أول الفسادين ، فسلط الله عليهم بختنصر أو سنجاريب وجنوده أو جالوت . عن ابن عباس : قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة وسبوا منهم سبعين ألفاً وبقوا في الذل إلى أن قيض الله ملكاً آخر من أهل بابل وتزوج بامرأة من بني إسرائيل وطلبت من ذلك الملك أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل ، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه ، ثم أقدموا على قتل زكريا ويحيى عليهما السلام وقصدوا قتل عيسى ابن مريم عليه السلام ، وهذا ثاني الإفسادين فانتقم من اليهود بسبب هؤلاء ملك من الروم يقال له قسطنطين الملك . وقال صاحب الكشاف : المرة الأولى قتل زكريا وحبس أرميا ، والآخرة قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى . واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض بمعرفة أعيان هؤلاء الأقوام ، والمقصود الأصلي الذي دل عليه القرآن هو أنهم كلما عصوا وأفسدوا سلط الله عليهم أعداءهم .

/خ21