قوله تعالى : { بديع السماوات والأرض } . مبدعها ومنشئها من غير مثال سبق .
قوله تعالى : { وإذا قضى أمراً } . أي قدره ، وقيل : أحكمه وأتقنه ، وأصل القضاء : الفراغ ، ومنه قيل لمن مات : قضي عليه لفراغه من الدنيا ، ومنه قضاء الله وقدره لأنه فرغ منه تقديراً وتدبيراً .
قوله تعالى : { فإنما يقول له كن فيكون } . قرأ ابن عامر كن فيكون بنصب النون في جميع المواضع إلا في آل عمران :{ كن فيكون الحق من ربك } ، وفي سورة الأنعام :{ كن فيكون قوله الحق } وإنما نصبها لأن جواب الأمر بالفاء يكون منصوباً . وقرأ الآخرون بالرفع ، على معنى فهو يكون ، فإن قيل كيف قال :{ فإنما يقول له كن }والمعدوم لا يخاطب ؟ قيل قال ابن الأنباري : معناه فإنما يقول له أي لأجل تكوينه ، فعلى هذا ذهب معنى الخطاب ، وقيل : هو وإن كان معدوماً ولكنه لما قدر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فصح الخطاب .
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }( 117 )
و { بديع } مصروف( {[1172]} ) من مبدع كبصير من مبصر ، ومثله قول عمرو بن معديكرب : [ الوافر ] :
أَمِنْ ريحانة الداعي السميعِ( {[1173]} ) *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يريد المسمع ، والمبدع المخترع المنشيء ، ومنه أصحاب البدع( {[1174]} ) ، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة رمضان : «نعمت البدعة هذه » .
وخص { السماوات والأرض } بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا ، و { قضى } ، معناه قدر ، وقد يجيء بمعنى أمضى ، ويتجه في هذه الآية المعنيان ، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه ، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد .
والأمر واحد الأمور ، وليس هنا بمصدر أمر يأمر ، ويكون رفع على الاستئناف ، قال سيبويه : «معناه فهو يكون » ، قال غيره : «يكون » عطف على «يقول » ، واختاره الطبري وقرره( {[1175]} ) ، وهو خطأ من جهة المعنى ، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود( {[1176]} ) ، وتكلم أبو علي الفارسي في هذه المسألة بما هو فاسد من جملة الاعتزال لا من جهة العربية .
وقرأ ابن عامر «فيكونَ » بالنصب ، وضعفه أبو علي ، ووجهه مع ضعفه على أن يشفع له شبه اللفظ( {[1177]} ) ، وقال أحمد بن موسى في قراءة ابن عامر : «هذا لحن »( {[1178]} ) .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأن الفاء لا تعمل في جواب الأمر إلا إذا كانا فعلين يطرد فيها معنى الشرط ، تقول أكرم زيداً فيكرمك ، والمعنى إن تكرم زيداً يكرمك ، وفي هذه الآية لا يتجه هذا ، لأنه يجيء تقديره : إن تكن يكن ، ولا معنى لهذا( {[1179]} ) ، والذي يطرد فيه معنى الشرط هو أن يختلف الفاعلان أو الفعلان( {[1180]} ) فالأول أكرم زيداً فيكرمك والثاني أكرم زيداً فتسود .
وتلخيص المعتقد في هذه الآية ، أن الله عز وجل لم يزل آمراً للمعدومات بشرط وجودها ، قادراً مع تأخر المقدورات ، عالماً مع تأخر وقوع المعلومات ، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال ، فهو بحسب المأمورات ، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن ، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل ، ومن جعل من المفسرين { قضى } بمعنى أمضى عند الخلق والإيجاد ، فكأن إظهار المخترعات في أوقاتها المؤجلة قول لها { كن }( {[1181]} ) ، إذ التأمل يقتضي ذلك ، على نحو قول الشاعر [ أبو النجم العجلي ] : [ الرجز ]
وقالتِ الأقرابُ للبطن الحق( {[1182]} ) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يجري مع قول المعتزلة ، والمعنى الذي تقتضيه عبارة { كن } هو قديم قائم بالذات( {[1183]} ) ، والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.