معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

{ الذي خلق سبع سماوات طباقا } طبقاً على طبق بعضها فوق بعض ، { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } قرأ حمزة والكسائي : من تفوت بتشديد " الواو " بلا ألف ، وقرأ الآخرون بتخفيف " الواو " وألف قبلها ، وهما لغتان كالتحمل والتحامل ، والتظهر والتظاهر . ومعناه : ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض ، بل هي مستقيمة مستوية . وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضاً لقلة استوائها ، { فارجع البصر } كرر النظر ، معناه : انظر ثم ارجع ، { هل ترى من فطور } شقوق وصدوع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

ثم يربط هذه الحقيقة بالكون كله في أكبر وأرفع مجاليه ؛ كما يربط به من الناحية الأخرى حقيقة الجزاء في الآخرة ، بعد الابتلاء بالموت والحياة :

الذي خلق سبع سماوات طباقا ، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر هل ترى من فطور ? ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ، وجعلناها رجوما للشياطين ، واعتدنا لهم عذاب السعير . وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ، وبئس المصير . إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ? قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما نزل الله من شيء ، إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ! .

وكل ما في هذه الآيات آثار لمدلول الآية الأولى ، ومظاهر للهيمنة المتصرفة في الملك ، وللقدرة التي لا يقيدها قيد . ثم هي بعد ذلك تصديق للآية الثانية من خلق الموت والحياة للابتلاء ، ثم الجزاء . .

والسماوات السبع الطباق التي تشير إليها الآية لا يمكن الجزم بمدلولها ، استقاء من نظريات الفلك ، فهذه النظريات قابلة للتعديل والتصحيح ، كلما تقدمت وسائل الرصد والكشف . ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف القابلة للتعديل والتصحيح . ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات . وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوتة .

والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله ، في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق بصفة عامة . يوجه النظر إلى خلق الله ، وهو يتحدى بكماله كمالا يرد البصر عاجزا كليلا مبهورا مدهوشا .

( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) . . فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب . . ( فارجع البصر ) . . وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت ( هل ترى من فطور ? ) . . وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل ?

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

و { طباقاً } قال الزجاج : هو مصدر ، وقيل : هو جمع طبقة أو جمع طبق مثل : رحبة ورحاب ، أو جمل وجمال ، والمعنى بعضها فوق بعض ، وقال أبان بن ثعلب : سمعت أعرابياً يذم رجلاً ، فقال : «شره طباق ، خيره غير با » وما ذكر بعض المفسرين في السماوات من أن بعضها من ذهب وفضة وياقوت ونحو هذا ضعيف كله ، ولم يثبت بذلك حديث ، ولا يعلم أحد من البشر حقيقة لهذا . وقوله تعالى : { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } معناه من قلة تناسب ، ومن خروج عن إتقان ، والأمر المتفاوت ، هو الذي يجاوز الحدود التي توجب له زيادة أو نقصاناً ، وقرأ جمهور القراء : «من تفاوت » ، وقرأ حمزة والكسائي وابن مسعود وعلقمة والأسود وابن جبير وطلحة والأعمش : «من تفوت »{[11202]} وهما بمعنى واحد{[11203]} ، وقال بعض العلماء : { في خلق الرحمن } يعني به السماوات فقط ، وهي التي تتضمن اللفظ ، وإياها أراد بقوله : { هل ترى من فطور } ، وإياها أراد بقوله : { ينقلب إليك البصر } الآية ، قالوا وإلا ففي الأرض فطور ، وقال آخرون : { في خلق الرحمن } يعني به جميع ما في خلق الله تعالى من الأشياء ، فإنها لا تفاوت فيها ولا فطور ، جارية على غير إتقان ، ومتى كانت فطور لا تفسد الشيء المخلوق من حيث هو ذلك الشيء ، بل هي إتقان فيه ، فليست تلك المرادة في الآية .


[11202]:بدون ألف وبشد الواو.
[11203]:وهذا كثير في اللغة، ومنه: تباعد وتبعد، وتعاهد وتعهد، وتحامل وتحمل، وتصاغر وتصغر، وتضاعف وتضعف، وتظاهر وتظهر. فالمعنى واحد في كل مثال من هذه الأمثلة.