تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ} (3)

الآية 3 وقوله تعالى : { الذي خلق سبع سماوات طباقا } إيجاب القول بتصديق ما يأتي به الرسل من الخبر ، وقد ثبت وجود هذا القول على ألسن الرسل ، فلزمنا القول في السماوات : إنها سبع ، وإن لم تشاهد .

ثم يحتمل قوله : { الذي خلق سبع سماوات طباقا } ليبلو أهلها أيهم أحسن عملا ، لأنه بين أنه لم يخلق السماوات والأرضين باطلا .

ثم السماوات بأنفسها لا تمتحن ، وإنما يمتحن أهلها ، لكنه اقتضى ذكر السماوات ذكر أهلها ، واقتضى ذكر الأرضين ذكر أهلها ، فأخبر بذكر الأرض عن ذكر أهلها ، وبذكر السماوات عن ذكر أهلها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت } أي انظر في خلق الرحمن هل ترى فيه من تفاوت أو فطور ؛ فإنك إن رأيت فيه فطورا ظننت في مدبره عددا ، وإن رأيت فيه تفاوتا ظننت في منشئه سفها ؛ فإنك إذا رأيت فيه فطورا أو شقوقا رأيت فيه تمانعا وتدافعا ، وفي حصول التمانع والتدافع [ حصول العدد ، لأن التدافع والتمانع{[21656]} ]{[21657]} إنما يقع عند ثبات العدد ، لأن ما يبني هذا يهدمه الآخر ، وينقضه . فعند ذلك يقع التدافع .

وإذا لم تر فيه فطورا أو شقوقا ، بل تراه منسقا مجتمعا دل على وحدانيته وقدرته وسلطانه ، وذلك التفاوت يدل على السفه ونفي الحكمة ، وارتفاع التفاوت يدل على حكمته وعجيب تدبيره ، فيكون في ارتفاع الفطور والتفاوت إثبات القول بالوحدانية وإيجاب القول بالبعث من حيث ثبتت حكمته ، وفي نفي القول بالبعث زوال الحكمة .

وفيه إيجاب المحنة والابتلاء ، لأن العدد إذا ثبت كان للممتحن ألا يعمل حتى يتبين له الغالب من المغلوب ، فلا يضيع عمله ، أو يشتغل كل بإقامة سلطانه ونفاذ تدبيره ، فلا يتضرع للألم بالمحنة .

ألا ترى إلى قوله : { وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق } ؟ [ المؤمنون : 91 ] قيل : يذهب كل واحد منهم بالجزء الذي خلقه ، فتظهر [ فطور ]{[21658]} وشقوق ، لأن ما خلق هذا يمتاز عن الذي خلقه الآخر .

فارتفاع الفطور يدل على وحدانية الصانع ، جل جلاله .

وقيل في قوله : { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } / 582-ب/ أي من حيث الدلالة على وحدانية الرب تعالى أو من حيث الحكمة والمصلحة .

فالخلائق كلها في المعاني التي ذكرناها غير متفاوتة ، لا أن تكون الأشياء المحدثة غير متفاوتة في أنفسها ، لأن بين السماوات والأرضين تفاوت ، وكذلك بين الحياة والموت تفاوت ، ولكن منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ، ومنافع أهل الأرض متصلة بالأرض ، وقوامهم ومعاشهم بما يخرج منها .

وكل ذلك يدل على وحدانيته وعلى حكمته ولطائف تدبيره .


[21656]:في م: و التناقض.
[21657]:من م، في الأصل: و التناقض.
[21658]:ساقطة من الأصل و م