ثم ضرب مثلاً للأصنام فقال : { وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه } ، كل : ثقل ووبال ، { على مولاه } ، ابن عمه ، وأهل ولايته ، { أينما يوجهه } ، يرسله ، { لا يأت بخير } ؛ لأنه لا يفهم ما يقال به ، ولا يفهم عنه ، هذا مثل الأصنام ، لا تسمع ، ولا تنطق ، ولا تعقل ، { وهو كل على مولاه } ، عابده ، يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه . { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل } ، يعني : الله تعالى قادر ، متكلم ، يأمر بالتوحيد ، { وهو على صراط مستقيم } ، قال الكلبي : يعني : يدلكم على صراط مستقيم . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم . وقيل : كلا المثلين للمؤمن والكافر ، يرويه عطية عن ابن عباس . وقال عطاء : الأبكم : أبي بن خلف ، ومن يأمر بالعدل : حمزة ، وعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون . وقال مقاتل : نزلت في هاشم بن عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي ، وكان قليل الخير ، يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : نزلت في عثمان بن عفان ومولاه ، كان عثمان ينفق عليه ، وكان مولاه يكره الإسلام .
( وضرب الله مثلا رجلين : أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير . هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم )
والمثل الثاني يصور الرجل الأبكم الضعيف البليد الذي لا يدري شيئا ولا يعود بخير . والرجل القوي المتكلم الآمر بالعدل ، العامل المستقيم على طريق الخير . . ولا يسوي عاقل بين هذا وذاك . فكيف تمكن التسوية بين ضم أو حجر ، وبين الله سبحانه وهو القادر العليم الآمر بالمعروف ، الهادي إلى الصراط المستقيم ؟
وبهذين المثلين يختم الشوط الذي بدأ بأمر الله للناس ألا يتخذوا إلهين اثنين ، وختم بالتعجيب من أمر قوم يتخذون إلهين اثنين !
{ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم } ، ولد أخرس ، لا يَفهم ولا يُفهِم . { لا يقدر على شيء } ، من الصنائع والتدابير ؛ لنقصان عقله . { وهو كَلٌّ على مولاه } ، عيال وثقل على من يلي أمره . { أينما يوجّهه } ، حيثما يرسله مولاه في أمر ، وقرئ : { يوجه } ، على البناء للمفعول ، و{ يوجه } بمعنى : يتوجه كقوله : " أينما أوجه ألق سعدا " ، وتوجه ، بلفظ الماضي . { لا يأت بخير } ، ينجح وكفاية مهم . { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل } ، ومن هو فهم منطيق ، ذو كفاية ورشد ، ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل . { وهو على صراط مستقيم } ، وهو في نفسه على طريق مستقيم ، لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي ، وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين ؛ لأنهما كمال ما يقابلهما ، وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام ؛ لإبطال المشاركة بينه وبينها ، أو للمؤمن والكافر .
هذا مثل لله عز وجل والأصنام ، فهي : كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء ، وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق ، و «الكَلّ » ، الثقل والمؤنة ، وكل محمول فهو كَلّ ، وسمي اليتيم كلاً ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
أكول المال الكَلِّ قبل شبابه . . . إذا كان عظم الكَلِّ غير شديد{[7382]}
كما الأصنام ؛ تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ، ثم لا يأتي من جهتها خير البتة ، هذا قول قتادة ، وقال ابن عباس : هو مثل للكافر ، وقرأ ابن مسعود : «يوجه » {[7383]} ، وقرأ علقمة : «يوجِّهُ » ، وقرأ الجمهور : «يوجهه » ، وهي خط المصحف ، وقرأ يحيى بن وثاب : «يُوجَّه »{[7384]} ، وقرأ ابن مسعود أيضاً : «توجهه » ، على الخطاب ، وضعف أبو حاتم قراءة علقمة ؛ لأنه لازم{[7385]} ، والذي : { يأمر بالعدل } ، هو : الله تعالى ، وقال ابن عباس : هو : المؤمن . و«الصراط » ، الطريق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.