الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلَيۡنِ أَحَدُهُمَآ أَبۡكَمُ لَا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوۡلَىٰهُ أَيۡنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأۡتِ بِخَيۡرٍ هَلۡ يَسۡتَوِي هُوَ وَمَن يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (76)

والكَلُّ : الثقيل ، والكَلُّ : العِيال ، والجمع : كُلُول . والكَلُّ : مَنْ لا وَلَدَ له ولا والدَ ، والكَلُّ أيضاً : اليتيم ، سُمِّي بذلك لثِّقْلِه على كافِلِه . قال الشاعر :

أَكُولٌ لِمالِ الكَلِّ قبل شبابِه *** إذا كان عَظْمُ الكَلِّ غيرَ شديدِ

قوله : { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ } ، شرطٌ وجزاؤُه . وقرأ ابنُ مسعودٍ وابن وثاب وعلقمةُ : " يُوَجِّهْ " ، بهاءٍ ساكنة للجزم . وفي فاعلِه وجهان ، أحدُهما : أنه ضميرُ الباري تعالى ، ومفعولُه محذوفٌ ، تقديرُه كقراءةِ العامة . والثاني : أنه ضميرُ الأبكم ، ويكون : " يُوَجِّه " لازماً ، بمعنى : تَوَجَّه ، يقال : وَجَّه وتَوَجَّه بمعنى .

وقرأ علقمةُ أيضاً وطلحةُ كذلك ، إلا أنه بضم الهاء ، وفيها أوجهُ ، أحدها : أنَّ " أينما " ، ليست هنا شرطيةً ، و " يُوَجِّهُ " ، خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أي : أينما هو يُوَجِّهُ ، أي : الله تعالى ، والمفعولُ محذوفٌ أيضاً ، وحُذِفَتْ الياءُ مِنْ : { لاَ يَأْتِ } ، تخفيفاً ، كما حُذِفَتْ في قولِه : { يَوْمَ يَأْتِ } [ هود : 106 ] و{ إِذَا يَسْرِ } [ الفجر : 4 ] . ورُدَّ هذا بأن

" أينما " إما شرط أو استفهام فقط ، والاستفهام هنا غير لائق . والثاني : أنَّ لامَ الكلمةِ حُذِفَتْ تخفيفاً ؛ لأجلِ التضعيفِ ، وهذه الهاءُ هي هاءُ الضمير فلم يُحِلَّها جزم . ذكر هذين الوجهين أبو الفضل الرازي .

الثالث : أن " أينما " أُهْمِلَتْ حَمْلاً على " إذا " ، لما بينهما من الأُخُوَّة في الشرط ، كما حُمِلَتْ " إذا " عليها في الجزم في نفسِ المواضع ، وحُذِفت الياءُ مِنْ : " يَأْتِ " تخفيفاً أو جزماً على التوهم ، ويكون : " يُوَجِّهُ " لازما ، بمعنى : يَتَوَجَّه كما تقدَّم .

[ وقرأ عبدُ الله أيضاً ] . وقال أبو حاتم : - وقد حكى هذه القراءة - " هذه ضعيفةٌ ؛ لأنَّ الجزمَ لازمٌ " ، وكأنه لم يعرف توجيههَا .

وقرأ علقمةُ وطلحةُ : " يُوَجَّهْ " ، بهاءٍ واحدة ساكنةٍ للجزم ، والفعلُ مبنيٌّ للمفعولِ ، وهي واضحةٌ .

وقرأ ابن مسعود أيضاً : " تُوَجِّهْه " ، كالعامَّةِ ، إلا أنه بتاء الخطاب ، وفيه التفاتٌ .

وفي الكلام حَذْفٌ ، وهو حَذْفُ المقابلِ لقوله : { أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ } ، كأنه قيل : والآخرُ ناطِقٌ متصرفٌ في مالِه ، وهو خفيفٌ على مولاه ، أينما يُوَجِّهْهُ يأتِ بخيرٍ . ودَلَّ على ذلك قولُه : { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } .

ونَقَلَ أبو البقاء أنه قُرِئ : " أينما تَوَجَّهَ " فعلاً ماضياً ، فاعلُه ضميرُ الأبكم .

وقوله : { وَمَن يَأْمُرُ } ، الراجحُ أَنْ يكونَ مرفوعاً عطفاً على الضميرِ المرفوعِ في : " يَسْتوي " ، وسَوَّغَه الفصلُ بالضمير . والنصبُ على المعيَّة مرجوحٌ . { وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ } ، الجملةُ : إمَّا إستئنافٌ أو حالٌ .