معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

قوله تعالى : { من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل منها } أي : نصيب منها ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشفاعة الحسنة هي الإصلاح بين الناس ، والشفاعة السيئة هي المشي بالنميمة بين الناس . وقيل : الشفاعة الحسنة ، هي حسن القول في الناس ، يُنال به الثواب والخير ، والسيئة : هي : الغيبة ، وإساءة القول في الناس يُنال به الشر . وقوله { كفل منها } أي : من وزرها ، وقال مجاهد : هي شفاعة الناس بعضهم لبعض ، ويؤجر الشفيع على شفاعته وإن لم يشفع .

أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد ابن إسماعيل ، أنا سفيان الثوري عن أبي بردة ، اخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل يسأل ، أو طالب حاجة ، أقبل علينا بوجهه ، قال : " اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء " .

قوله تعالى : { وكان الله على كل شيء مقيتاً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : مقتدراً مجازياً .

قال الشاعر :

وذي ضغن كففت النفس عنه *** وكنت على إساءته مقيتاً

وقال مجاهد : شاهداً ، وقال قتادة : حافظاً ، وقيل : معناه على كل حيوان مقيتاً ، أي : يوصل القوت إليه ، وجاء في الحديث : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ويقيت ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

71

وبمناسبة تحريض الرسول [ ص ] للمؤمنين على القتال الذي ورد الأمر به في آخر الدرس ، وذكر المبطئين المثبطين في أوله ، يقرر قاعدة عامة في الشفاعة - وهي تشمل التوجيه والنصح والتعاون :

( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ، وكان الله على كل شيء مقيتًا ) . .

فالذي يشجع ويحرض ويعاون على القتال في سبيل الله ، يكون له نصيب من أجر هذه الدعوة وآثارها . والذي يبطى ء ويثبط تكون له تبعة فيها وفي آثارها . . وكلمة " كفل " توحي بأنه متكفل بجرائرها .

والمبدأ عام في كل شفاعة خير ، أو شفاعة سوء . وقد ذكر المبدأ العام بمناسبة الملابسة الخاصة ، على طريقة المنهج القرآني ، في إعطاء القاعدة الكلية من خلال الحادثة الجزئية ، وربط الواقعة المفردة بالمبدأ العام كذلك . وربط الأمر كله بالله ، الذي يرزق بكل شيء . أو الذين يمنح القدرة على كل شيء . وهو ما يفسر كلمة " مقيت " في قوله تعالى في التعقيب :

وكان الله على كل شيء مقيتًا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

وقوله : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا } أي : من سعى في أمر ، فترتب عليه خير ، كان له نصيب من ذلك { وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا } أي : يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء " .

وقال مجاهد بن جَبْر : نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض .

وقال الحسن البصري : قال الله تعالى : { مَنْ يَشْفَعْ } ولم يقل : من يُشَفَّع .

وقوله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } قال ابن عباس ، وعطاء ، وعطية ، وقتادة ، ومطر الوراق : { مُقِيتًا } أي : حفيظا . وقال مجاهد : شهيدا . وفي رواية عنه : حسيبا . وقال سعيد بن جبير ، والسدي ، وابن زيد : قديرا . وقال عبد الله بن كثير : المقيت : الواصب{[7953]} وقال الضحاك : المقيت : الرزاق .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن مطرف ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن عبد الله بن رواحة ، وسأله رجل عن قول الله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } قال : يُقيت كلّ إنسان على قدر عمله{[7954]} .


[7953]:في ر: "المواضب".
[7954]:في ر: "بقدر عمله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

{ من يشفع شفاعة حسنة } راعى بها حق مسلم ودفع بها عنه ضرا أو جلب إليه نفعا ابتغاء لوجه الله تعالى ، ومنها الدعاء لمسلم قال عليه الصلاة والسلام : " من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك " . { يكن له نصيب منها } وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها . { ومن يشفع شفاعة سيئة } يريد بها محرما . { يكن له كفل منها } نصيب من وزرها مساو لها في القدر . { وكان الله على كل شيء مقيتا } مقتدرا من أقات على الشيء إذا قدر قال :

وذي ضغن كففت الضغن عنه *** وكنت على مساءته مقيتا

أو شهيدا حافظا ، واشتقاقه من القوت فإنه يقوي البدن ويحفظه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

استئناف فيه معنى التذييل والتعليل لقوله : { لا تُكَلَّفُ إلاّ نَفْسَك وحرّض المؤمنين } [ النساء : 84 ] وهو بشارة للرسول عليه الصلاة والسلام بأن جهاد المجاهدين بدعْوته يناله منه نصيب عظيم من الأجر ، فإنّ تحريضه إيّاهم وساطة بهم في خيرات عظيمة ، فجاءت هذه الآية بهذا الحكم العامّ على عادة القرآن في انتهاز فرص الإرشاد . ويعلم من عمومها أنّ التحريض على القتال في سبيل الله من الشفاعة الحسنة ، وأنّ سعي المثبطين للناس من قبيل الشفاعة السيّئة ، فجاءت هذه الآية إيذاناً للفريقين بحالتهما . والمقصود مع ذلك الترغيب في التوسّط في الخير والترهيب من ضدّه .

والشفاعة : الوساطة في إيصال خير أو دفع شرّ ، سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا ، وتقدّمت في قوله تعالى : { ولا يُقبل منها شفاعة } في سورة البقرة ( 48 ) ، وفي الحديث " اشفعوا فلْتؤجروا " . ووصفُها بالحسنة وصف كاشف ؛ لأنّ الشفاعة لا تطلق إلاّ على الوساطة في الخير ، وأمّا إطلاق الشفاعة على السعي في جلب شرّ فهو مشاكلة ، وقرينتها وصفها بسيّئة ، إذ لا يقال ( شفع ) للذي سعى بجلب سوء .

والنصيب : الحظّ من كلّ شيء : خيراً كان أو شراً ، وتقدّم في قوله تعالى : { أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا } في سورة البقرة ( 202 ) .

والكِفل بكسر الكاف وسكون الفاء الحَظْ كذلك ، ولم يتبيّن لي وجه اشتقاقه بوضوح . ويستعْمل الكفل بمعنى المِثل ، فيؤخذ من التفسيرين أنّ الكفل هو الحظّ المماثل لِحظّ آخر ، وقال صاحب « اللسان » : لا يقال هذا كفل فلان حتّى يكون قدْ هيّىء لغيره مثله ، ولم يعزُ هذا ، ونسبه الفخر إلى ابن المظفّر ، ولم يذكر ذلك أحد غير هذين فيما علمت ، ولعلّه لا يساعد عليه الاستعمال . وقد قال الله تعالى : { يُؤتكم كفلين من رحمته } [ الحديد : 28 ] . وهل يحتجّ بما قاله ابن المظفّر وابن المظفّر هو محمد بن الحسن بن المظفّر الحاتمي الأديب معاصر المتنبي . وفي مفردات الراغب أنّ الكفل هو الحظّ من الشرّ والشدّة ، وأنّه مستعار من الكِفل وهو الشيء الرديء ، فالجزاء في جانب الشفاعة الحسنة بأنّه نصيب إيماء إلى أنّه قد يكون له أجرٌ أكثر من ثواب من شفع عنده .

وجملة { وكان الله على كلَ شيء مقيتاً } تذييل لجملة { من يشفع شفاعة حسنة } الآية ، لإفادة أنّ الله يجازي على كلّ عمل بما يناسبه من حُسْن أو سوء .

و { المقيت } الحافظ ، والرقيب ، والشاهد ، والمقتدر . وأصله عند أبي عبيدة الحافظ . وهو اسم فاعل من أقات إذا أعطى القُوت ، فوزنه مُفعِل وعينه واو . واستعمل مجازاً في معاني الحفظ والشهادة بعلاقة اللزوم ، لأنّ من يقيت أحداً فقد حفظه من الخصاصة أو من الهلاك ، وهو هنا مستعمل في معنى الإطلاع ، أو مضمّن معناه ، كما ينبيء عنه تعديته بحرف ( على ) . ومن أسماء الله تعالى المُقيت ، وفسّره الغزالي بمُوصل الأقوات . فيؤول إلى معنى الرازق ، إلاّ أنّه أخصّ ، وبمعنى المستولي على الشيء القادر عليه ، وعليه يدلّ قوله تعالى : { وكان الله على كلّ شيء مقيتاً } فيكون راجعاً إلى القدرة والعلم .