الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

قوله : ( مَّنْ يَّشْفَعْ حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا ) الآية [ 85 ] .

المعنى : من يشفع لأخيه شفاعة حسنة يكن له نصيب منها في( {[13037]} ) الآخرة ، أي : حظ ( وَمَنْ يَّشْْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِنْهَا ) أي : إثم منها في الآخرة .

وقال مجاهد : هو شفاعة الناس بعضهم( {[13038]} ) لبعض ، وقاله الحسن وابن زيد وغيرهم( {[13039]} ) .

وقال الطبري : " المعنى : من يشفع وتراً( {[13040]} ) لأصحابك يا محمد في جهاد عدوهم يكن له نصيب منها : حظاً في الآخرة ، ومن يشفع وتراً لكافرين يكن له كفل منها أي : وزر وإثم في الآخرة( {[13041]} ) .

وإنما اختار ذلك لأنه في سياق الآية التي حض الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم على القتال فيها ، وحضه على أن يحرض المؤمنين على القتال معه ، فصارت هذه الآية وعداً لمن أجاب تحريض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال ، وكان ذلك أشبه عنده من شفاعة الناس بعضهم لبعض إذ لم يجر له ذكر قبل ولا بعد .

والكفل والنصيب عند أهل اللغة سواء ، قال تعالى : ( يُوتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ) [ الحديد : 27 ] أي : نصيبين ، والنصيب قد يكون خيراً أو شراً .

وقال الحسن : الشفاعة الحسنة ما يجوز في الدين ، والشفاعة السيئة ما لا يجوز في الدين .

وقال الحسن : من( {[13042]} ) يشفع شفاعة حسنة كان له أجرها وإن لم يُشَفَّع( {[13043]} ) .

وروي أن قوله : ( وَمَنْ يَّشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا ) نزل في اليهود كانوا يدعون على المؤمنين في الغيبة بالهلاك ، ويقولون لهم في الحضور : السام عليكم ، وهو دعاء أيضاً ، ثم أتْبع ذلك بقوله : ( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) وهو : السلام( {[13044]} ) .

والمقيت : الحفيظ عند ابن عباس( {[13045]} ) .

وقيل : الشهيد ، قاله مجاهد( {[13046]} ) .

وقال السدي : المقيت : القدير وهو اختيار الطبري( {[13047]} ) .

وقال الكسائي : مقيتاً مقتدراً( {[13048]} ) .

وقال أبو عبيدة : المقيت : الحافظ المحيط( {[13049]} ) .

وقال ابن جريج : المقيت القائم على كل شيء رواه عن ابن كثير( {[13050]} ) .

وقال بعضهم( {[13051]} ) :

وَذِي ضَغَنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عنه وَكُنْتُ عَلَى مُسَاءَتِه مَقِيتاً( {[13052]} )


[13037]:- ساقط من (د).
[13038]:- (أ): وبعضهم.
[13039]:- انظر: جامع البيان 5/186.
[13040]:- عند الطبري: لوتر أصحابك.
[13041]:- انظر: جامع البيان 5/186.
[13042]:- ساقط من (د).
[13043]:- انظر: جامع البيان 5/186.
[13044]:- انظر: إعراب النحاس 1/440.
[13045]:- انظر: جامع البيان 5/187.
[13046]:- انظر: تفسير مجاهد 1/167.
[13047]:- انظر: جامع البيان 5/187-188.
[13048]:- ذكره الزجاج ولم ينسبه، معاني الزجاج 2/85.
[13049]:- مجاز القرآن 1/135 وهو المختار عند الزجاج والنحاس انظر: المصدر السابق.
[13050]:- هو عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة وقد تقدمت ترجمته.
[13051]:- اختلف في نسبة هذا البيت، فقد نسبه ابن عباس إلى أحيحة الأنصاري. انظر: الإتقان 1/168 ونسب إلى الزبير بن عبد المطلب في جامع البيان 5/188، والكشاف 1/549، ومجمع البيان 5/175 ونسبه البحتري إلى عمرو بن قيس في حمخاسة البحتري باب: 108 ونسب إلى ابن قيس بن رفاعة في طبقات ابن سلام 1/288ن واللسان 2/76.
[13052]:- (أ) (ج) ضعن (د): صغن، وضغن هي ما اتفقتعليه الروايات وهو أثبت وأنسب، أما صغن فلم أقف عليها في اللسان ولعل الكلمتين معاً تحريف لكلمة ضغن التي من معانيها الحقد والعداوة والبغضاء. انظر: اللسان ضغن 13/255. والشاهد في البيت هو كلمة: مقيتا فقد وردت هنا بمعنى مقتدر.