التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

{ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ( 1 ) شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ( 2 ) مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا( 3 ) 85 } .

( 1 ) من يشفع : قيل في تأويلها في مقامها إنها من شفاعة الناس بعضهم ببعض أو بعضهم لبعض وقيل إنها بمعنى التأييد والمساندة والموالاة ولعل هذا المعنى أكثر ورودا في مقامها مع سياق الآيات .

( 2 ) كفل : هنا بمعنى نصيب أو قسم أو تبعة

( 3 ) مقيتا : قادرا أو مراقبا أو حسيبا

في الآية تقرير عام يتضمن كون الذي يدعو إلى الخير ويشجع عليه ويعضده له نصيب من عواقبه الحسنة . وكون الذي يدعو إلى شر ويشجع عليه ويعضده له نصيب من عواقبه السيئة والله قادر على كل شيء مجز كلا بما يستحق .

تعليق على الآية

( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها . . . ) الخ .

ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية . ولكنهم رووا عن بعض التابعين أنها نزلت في شفاعات الناس في بعضهم أو لبعضهم{[623]} وقد صرف الطبري الشفاعة الحسنة إلى الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ضد الكفار الأعداء والشفاعة السيئة إلى موالاة ضد المسلمين .

والذي يتبادر لنا أن الآية قد جاءت معقبة على الآيات السابقة وأن القصد من الشفاعة الحسنة هو الدعوة إلى الجهاد وتعضيده والإقدام عليه . ومن الشفاعة السيئة التثبيط عنه والمعارضة فيه . وهذا وذاك كان من متناول الآيات السابقة تنويها وتنديدا ، ويأتي بعد الآية التالية لهذه الآية آيات فيها حملة وتحريض على المنافقين موضوع الكلام السابق حيث يؤيد هذا ما قلناه من صلة الآية بالسياق السابق وكونها استمرارا له .

ولقد رأينا رشيد رضا يذكر وجها آخر لتأويل الآية ، وهو أن من المحتمل أن يكون بعضهم اعتذر عن المنافقين الذين يقفون من الدعوة إلى الجهاد موقف المثبط والمتثاقل . أو يكون بعضهم تشفعوا فيهم فنزلت الآية لتنبههم إلى أن لكل صاحب شفاعة نصيبا من مدى شفاعته . من يشفع في مقام فيه خير ومصلحة يكن مصيبا وله الحسنى . ومن يشفع في مقام فيه شر وضرر لمصلحة المسلمين يكن مخطئا وعليه وزر ذلك . ولا يخلوا هذا من وجاهة . وهو متصل بمدى الآية وشرحنا لها . ويجعل الاتصال بينها وبين ما قبلها قائما أيضا .

وينطوي في الآية تلقين مستمر المدى بتجنيد كل دعوة إلى الخير والسعي فيه وتقبيح كل دعوة إلى الضرر والسعي فيه ، وتبشير لفاعلي الخير والساعين فيه والداعين إليه وإنذار الضرر والساعين فيه والداعين إليه .

ولقد اعتبر المفسرون الآية كما قلنا في صدد الشفاعة أي الوساطة بين الناس في قضاء مصالحهم وتجنيبهم ضرر بعضهم . والعبارة القرآنية بإطلاقها تتحمل هذا أيضا . ولقد أوردوا في سياق ذلك حديثا نبويا في حث على الشفاعة بين الناس جاء فيه عن أبي موسى قال ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ، فأقبل علينا بوجهه وقال : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء ) {[624]} .


[623]:انظر تفسير الطبري والطبرسي والخازن وابن كثير
[624]:انظر تفسير الآيات في الخازن وابن كثير وقد روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي بزيادة مهمة وهذا هو نصه (عن أبي موسى عن النبي قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين أصابعه، وكان جالسا إذا جاء رجل يسأل، أو صاحب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال: اشفعوا تؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) انظر التاج ج 5 ص 49 و 50