إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

وقوله تعالى : { من يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ منْهَا } أي من ثوابها ، جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لبيان أن له عليه الصلاة والسلام فيما أُمر به من تحريض المؤمنين حظاً موفوراً ، فإن الشفاعةَ هي التوسُّطُ بالقول في وصول شخصٍ إلى منفعة من المنافع الدنيويةِ أو الأخروية ، أو خلاصِه من مضَرّة ما كذلك ، من الشفْع كأن المشفوعَ له كان فرداً فجعله الشفيعُ شَفْعاً ، والحسنةُ منها ما كانت في أمر مشروعٍ رُوعي بها حقُّ مسلمٍ ابتغاءً لوجه الله تعالى من غير أن يتضمَّن غرضاً من الأغراض الدنيويةِ ، وأيُّ منفعة أجلُّ مما قد حصل للمؤمنين بتحريضه عليه الصلاة والسلام على الجهاد من المنافع الدنيويةِ والأخرويةِ ؟ وأيُّ مضرةٍ أعظمُ مما تخلّصوا منه بذلك من التثبّط عنه ؟ ويندرج فيها الدعاءُ للمسلم فإنه شفاعةٌ إلى الله سبحانه وعليه مَساقُ آيةِ التحيةِ الآتية ، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من دعا لأخيه المسلمِ بظهر الغيبِ استُجيب له وقال له المَلَكُ : ولك مثلُ ذلك » وهذا بيانٌ لمقدار النصيبِ الموعود { وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً } وهي ما كانت بخلاف الحسنةِ { يَكُنْ لهُ كِفْلٌ منهَا } أي نصيب من وِزْرها مساوٍ لها في المقدار من غير أن يَنْقُصَ منه شيءٌ { وَكَانَ الله على كُلّ شَيء مُقِيتاً } أي مقتدراً ، من أقات على الشيء إذا اقتدر عليه أو شهيداً حفيظاً ، واشتقاقُه من القُوت ، فإنه يقوِّي البدَنَ ويحفَظُه ، والجملةُ تذييلٌ مقرِّرٌ لما قبلها على كلا المعنيين .