فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

{ من يشفع شفاعة حسنة } أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ، ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة ، وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها ، والشفع ضم واحد إلى واحد ، والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك فالشفاعة ضم غيرك إلى جاهلك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعة إلى المشفوع له ، والشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة فمن شفع في الخير لينفع{[509]} .

{ يكن له نصيب } حظ { منها } أي من أجرها ، وقد بين النصيب في حديث من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له ، وقال له الملك آمين ولك مثل " هذا{[510]} " فهذا بيان لمقدار النصيبب الموعود به قاله أبو السعود ، وعن أبي موسى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء رجل يسأل فأقبل علينا بوجهه وقال : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسول ما شاء أخرجه الشيخان .

{ ومن يشفع شفاعة سيئة } الظاهر أن إطلاق الشفاعة هنا من قبيل المشاكلة لأن حقيقتها اللغوية تقتضي أنها لا تكون إلا في الخير ، قال الخازن : هي النميمة والغيبة ونقل الحديث لإيقاع العداوة بين الناس ، وقيل المراد دعاء اليهود على المسلمين وقيل معناه من يشفع كفره بقتال المؤمنين .

{ يكن له كفل منها } أي من وزرها والكفل الوزر ، واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط ، يقال اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا منه ، ويستعمل في النصيب من الخير والشر ، ومن استعماله في الخير قوله تعالى { يؤتكم كفلين من رحمته } .

{ وكان الله على كل شيء مقيتا } أي مقتدرا قاله الكسائي ، وقال الفراء : المقيت الذي يعطي كل إنسان قوته ، يقال قته أقوته قوتا وأقته قوتا إقاتة فأنا قائت ومقيت ، وحكى الكسائي : أقات يقيت وقال أبو عبيدة : المقيت الحافظ ، قال النحاس : وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان ، وقال ابن فارس في المجمل : المقيت المقتدر والحفظ والشاهد ، قوال مجاهد : مقيتا أي شهيدا حسيبا حفيظا ، وقال سعيد ابن جرير وابن زيد قادرا قديرا وعن الضحاك المقيت الرزاق{[511]} .


[509]:القرطبي5/296.
[510]:القرطبي5/296.
[511]:والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفع، لأنه تعالى قال: {من يشفع} ولم يقل يشفع. وفي صحيح مسلم "اشفعوا تؤجروا وليقض الله علس لسان نبيه ما أحب". وجاء في الحديث: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" و"يقيت" ذكره الثعلبي: وحكى ابن فارس في المجمل: المقيت المقتدر، والمقيت الحافظ، وما عنده قيت ليلة وقوت ليلة. والله أعلم.