بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

قوله تعالى : { مَّن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } قال الضحاك : يعني من سنّ سنة حسنة في الإسلام ، فله أجرها وأجر من عمل بها ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء . { وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } أي من سنّ في الإسلام سنة قبيحة محدثة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء . وقال الكلبي : { مَّن يَشْفَعْ شفاعة حَسَنَةً } يعني : يصلح بين اثنين يكن له أجر منها { وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً } يمشي بالنميمة والغيبة ، { يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } يعني إثم منها . وقال مجاهد : إنما هي شفاعة في الناس بعضهم لبعض ، يعني يشفع لأخيه المسلم في دفع المظلمة عنه . وروى سفيان عن عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اشْفَعُوا إِلَيَّ تُؤْجَرُوا فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي الأمْرَ فَأَمْنَعُهُ كَيْ مَا تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا » وقال الحسن : الشفاعة تجري أجرها لصاحبها ما جرت منفعتها ، والكفل في اللغة النصيب . كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الحديد : 28 ] ثم قال تعالى : { وَكَانَ الله على كُلّ شيء مُّقِيتاً } والمقيت المقتدر . يقال : أقات على الشيء يعني اقتدر . ويقال : المقيت الشاهد على الشيء ، الحافظ له ، ويقال : { مقيتا }ً يعني : بيده الرزق وعليه قوت كل دابة ، كقوله تعالى { وَجَعَلَ فِيهَا رواسي مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وَقَدَّرَ فيها أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سواء للسائلين } [ فصلت : 10 ] .