معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

قوله تعالى : { يوم تجد كل نفس } نصب " يوم " بنزع حرف الصفة ، أي في يوم ، وقيل بإضمار فعل أي : اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس .

قوله تعالى : { ما عملت من خير محضرا } لم يبخس منه شيء ، كما قال الله تعالى ( ووجدوا ما عملوا حاضراً ) .

قوله تعالى : { وما عملت من سوء } جعله بعضهم " خبراً " في موضع النصب ، أي : تجد محضراً ما عملت من الخير والشر ، فتسر بما عملت من الخير ، وجعل بعضهم خبراً مستأنفا ، دليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً .

قوله تعالى : { تود لو أن بينها } أي بين النفس .

قوله تعالى : { وبينه } يعني وبين السوء .

قوله تعالى : { أمداً بعيداً } . قال السدي مكاناً بعيداً . وقال مقاتل : كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهي إليها . وقال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقي عمله أبداً . وقيل : يود أنه لم يعمله .

قوله تعالى : { ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

18

ثم يتابع السياق التحذير ولمس القلوب خطوة أخرى كذلك باستحضار اليوم المرهوب ؛ الذي لا يند فيه عمل ولا نية ؛ والذي تواجه فيه كل نفس برصيدها كله :

( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) . .

وهي مواجهة تأخذ المسالك على القلب البشري ، وتحاصره برصيده من الخير والسوء . وتصور له نفسه وهو يواجه هذا الرصيد ، ويود - ولكن لات حين مودة ! - لو أن بينه وبين السوء الذي عمله أمدا بعيدا . أو أن بينه وبين هذا اليوم كله أمدا بعيدا . بينما هو في مواجهته ، آخذ بخناقه ، ولات حين خلاص ، ولات حين فرار !

ثم يتابع السياق الحملة على القلب البشري ، فيكرر تحذير الله للناس من نفسه - سبحانه - :

( ويحذركم الله نفسه ) . .

ويذكرهم رحمته في هذا التحذير والفرصة متاحة قبل فوات الأوان :

( والله رؤوف بالعباد ) . .

ومن رأفته هذا التحذير وهذا التذكير . وهو دليل على إرادته الخير والرحمة بالعباد . .

وتشي هذه الحملة الضخمة المنوعة الإيماءات والإيحاءات والأساليب والإشارات ، بما كان واقعا في حياة الجماعة المسلمة من خطورة تميع العلاقات بين أفراد من المعسكر المسلم وأقربائهم وأصدقائهم وعملائهم في مكة مع المشركين وفي المدينة مع اليهود . تحت دوافع القرابة أو التجارة . . على حين يريد الإسلام أن يقيم أساس المجتمع المسلم الجديد على قاعدة العقيدة وحدها ، وعلى قاعدة المنهج المنبثق من هذه العقيدة . . الأمر الذي لا يسمح الإسلام فيه بالتميع والأرجحة إطلاقا . .

كذلك يشي بحاجة القلب البشري في كل حين إلى الجهد الناصب للتخلص من هذه الأوهاق ، والتحرر من تلك القيود ، والفرار إلى الله والارتباط بمنهجه دون سواه .

والإسلام لا يمنع أن يعامل المسلم بالحسنى من لا يحاربه في دينه ، ولو كان على غير دينه . . ولكن الولاء شيء آخر غير المعاملة بالحسنى . الولاء ارتباط وتناصر وتواد . وهذا لا يكون - في قلب يؤمن بالله حقا - إلا للمؤمنين الذين يرتبطون معه في الله ؛ ويخضعون معه لمنهجه في الحياة ؛ ويتحاكمون إلى كتابه في طاعة واتباع واستسلام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

يعني : يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر{[4943]} كما قال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه ، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه ، وود لو أنه تبرأ منه ، وأن يكون بينهما أمد بعيد ، كما يقول لشيطانه الذي كان مقترنًا به في الدنيا ، وهو الذي جرَّأه على فعل السوء : { يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] .

ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } أي : يخوفكم عقابه ، ثم قال مرجيًا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه : { وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذرهم نفسه . وقال غيره : أي : رحيم بخلقه ، يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم ، وأن يتبعوا رسوله الكريم .


[4943]:في جـ: "أو شر".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } { يوم } منصوب بتود أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها ، أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم ، وهو له أمدا بعيدا ، أو بمضمر نحو اذكر ، و{ تود } حال من الضمير في عملت أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصور على { ما عملت من خير } ، ولا تكون { ما } شرطية لارتفاع { تود } . وقرئ " ودت " وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة . { ويحذركم الله نفسه } كرره للتأكيد والتذكير . { والله رؤوف بالعباد } إشارة إلى أنه تعالى إنما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم ، أو أنه لذو مغفرة وذو عقاب أليم فترجى رحمته ويخشى عذابه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

و{ يوم } نصب على الظرف ، وقد اختلف في العامل فيه ، فقال مكي بن أبي طالب ، العامل فيه { قدير } ، وقال الطبري : العامل فيه قوله : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28 ] وقال الزجّاج ، وقال أيضاً العامل فيه { ويحذركم الله نفسه } [ آل عمران : 28 ] يوم ورجحه وقال مكي : حكاية العامل فيه فعل مضمر تقديره ، «اذكر يوم » ، و { ما } بمعنى الذي و{ محضراً } قال قتادة : معناه موفراً ، وهذا تفسير بالمعنى ، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر ، وقوله تعالى : { ما عملت من سوء } يحتمل أن تكون { ما } معطوفة على { ما } الأولى فهي في موضع نصب وتكون { تود } في موضع الحال ، وإلى هذا العطف ذهب الطبري وغيره ، ويحتمل أن تكون رفعاً بالابتداء ويكون الخبر في قوله : { تود } وما بعده كأنه قال : وعملها السيىء مردود عندها أن بينها وبينه أمداً ، وفي قراءة ابن مسعود «من سوء ودت » وكذلك قرأ ابن أبي عبلة ، ويجوز على هذه القراءة أن تكون { ما } شرطية ولا يجوز ذلك على قراءة «تود » لأن الفعل مستقبل مرفوع والشرط يقتضي جزمه اللهم إلى أن يقدر في الكلام محذوف «فهي تود » وفي ذلك ضعف ، و «الأمد » الغاية المحدودة من المكان أو الزمان ، قال النابغة : [ البسيط ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** سَبْق الْجَوادِ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الأمَدِ{[3089]}

فهذه غاية في المكان ، وقال الطرماح{[3090]} : [ الخفيف ]

كُلُّ حيّ مُسْتَكْمِلٌ عُدَّةَ الْعُمْ . . . رِ وَمُودٍ إذا انقضَى أَمَدُهْ

فهذه غاية في الزمان ، وقال الحسن في تفسير هذه الآية ، يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً ذلك مناه ، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها ، وقوله : { والله رؤوف بالعباد } يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة رأفة منه بعباده ، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن ، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى : { إن ربك لشديد العقاب ، وإنه لغفور رحيم }{[3091]} لأن قوله : { ويحذركم الله نفسه } [ آل عمران : 28 ] والله محذور العقاب .


[3089]:- صدر هذا البيت: إلا لمثلك أو من أنت سابقه.
[3090]:-الطرماح بن حكيم أحد شعراء الخوارج في العصر الأموي، (انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 489، والأغاني: 10/148 (دار الكتب)، وتهذيب ابن عساكر 7/52، والبيت في ديوانه: 197، تحقيق عزت حسن).
[3091]:- من الآية (167) من سورة الأعراف.