معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

قوله تعالى : { يا بني إسرائيل } . يا أولاد يعقوب . ومعنى إسرائيل : عبد الله ، وإيل هو الله تعالى ، وقيل صفوة الله ، وقرأ أبو جعفر : إسرائيل بغير همزة .

قوله تعالى : { اذكروا } . احفظوا ، والذكر : يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل : أراد به الشكر ، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً ، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها .

قوله تعالى : { نعمتي } . أي : نعمي ، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .

قوله تعالى : { التي أنعمت عليكم } . أي على أجدادكم وأسلافكم . قال قتادة : هي النعم التي خصت بها بنو إسرائيل : من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه ، وتظليل الغمام عليهم في التيه ، وإنزال المن والسلوى ، وإنزال التوراة ، في نعم كثيرة لا تحصى ، وقال غيره : هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده .

قوله تعالى : { وأوفوا بعهدي } . بامتثال أمري .

قوله تعالى : { أوف بعهدكم } . بالقبول والثواب ، قال قتادة و مجاهد : أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) إلى أن قال ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ) فهذا قوله : أوف بعهدكم . وقال الحسن هو قوله ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ) فهو شريعة التوراة ، وقال مقاتل : هو قوله ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) وقال الكلبي : عهد الله إلى بني إسرائيل على لسان موسى : إني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين : وهو قوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وإياي فارهبون } . فخافوني في نقض العهد . وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبوني ، فاتقوني ، واخشوني ، والآخرون يحذفونها على الخط .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

40

فلننظر بعد هذا الإجمال في استعراض النص القرآني :

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ، ولا تكونوا أول كافر به ، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ؟ أفلا تعقلون ؟ واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ، وأنهم إليه راجعون ) .

إن المستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها الله عليهم ، ومن الجحود المنكر المتكرر الذي قابلوا به هذا الفيض المدرار . . وهنا يذكرهم الله بنعمته التي انعمها عليهم إجمالا ، قبل البدء في تفصيل بعضها في الفقر التالية . يذكرهم بها ليدعوهم بعدها إلى الوفاء بعهدهم معه - سبحانه - كي يتم عليهم النعمة ويمد لهم في الآلاء :

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) . .

فأي عهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام ؟ أهو العهد الأول ، عهد الله لآدم : ( فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . . ؟ أم هو العهد الكوني السابق على عهد الله هذا مع آدم . العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه : أن يعرفه ويعبده وحده لا شريك له . وهو العهد الذي لا يحتاج إلى بيان ، ولا يحتاج إلى برهان ، لأن فطرة الإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية ، ولا يصدها عنه إلا الغواية والانحراف ؟ أم هو العهدالخاص الذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل . والذي سيجيء في سياق السورة : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : إني جاعلك للناس إماما ، قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ) . . ؟ أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة والذي سيأتي ذكره في هذه الجولة ؟ .

إن هذه العهود جميعا إن هي إلا عهد واحد في صميمها . إنه العهد بين الباريء وعباده أن يصغوا قلوبهم إليه ، وأن يسلموا أنفسهم كلها له . وهذا هو الدين الواحد . وهذا هو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعا ؛ وسار موكب الإيمان يحمله شعارا له على مدار القرون .

ووفاء بهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية :

( وإياي فارهبون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

يقول تعالى آمرا بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ، ومُهَيجًا لهم بذكر أبيهم إسرائيل ، وهو نبي الله يعقوب ، عليه السلام ، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا . يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب العلم ونحو ذلك .

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [ الإسراء : 3 ] فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام ، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حَوشب ، قال : حدثني عبد الله بن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : " هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب ؟ " . قالوا : اللهم نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد{[1625]} " {[1626]} وقال الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس ؛ أن إسرائيل كقولك : عبد الله .

وقوله تعالى : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سِوَى ذلك ، فَجَّر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .

وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .

قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم : { يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] يعني في زمانهم .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي : بلائي عندكم وعند آبائكم لِمَا كان نجاهم به من فرعون وقومه { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قال : بعهدي الذي أخذت في{[1627]} أَعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أي : أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم .

[ وقال الحسن البصري : هو قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } الآية [ المائدة : 12 ] . وقال آخرون : هو الذي أخذه الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبيًا عظيما يطيعه جميع الشعوب والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غُفر له ذنبه وأدخل الجنة وجعل له أجران . وقد أورد فخر الدين الرازي هاهنا بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم ]{[1628]} .

وقال أبو العالية : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } قال : عهده إلى عباده : دينه الإسلام أن يتبعوه .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قال : أرْض عنكم وأدخلكم الجنة .

وكذا قال السدي ، والضحاك ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس .

وقوله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي : فاخشون ؛ قاله أبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة .

وقال ابن عباس في قوله تعالى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي أنزل بكم ما أنزل{[1629]} بمن كان قبلكم من آبائكم من النَّقِمَات التي قد عرفتم من المسخ وغيره .

وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب ، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة ، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره ، وامتثال أوامره ، وتصديق أخباره ، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم ؛

ولهذا{[1630]} قال : { وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ }


[1625]:في جـ: "اللهم فاشهد".
[1626]:رواه أحمد في المسند (1/273) عن حسين، عن عبد الحميد بن بهرام به.
[1627]:في جـ، ط، ب: "من".
[1628]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1629]:في جـ، ط، ب: "ما أنزلت".
[1630]:في جـ: "فلهذا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيَ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ }

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : يا بَنِي إسْرَائِيلَ : يا ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وكان يعقوب يدعى إسرائيل ، بمعنى عبد الله وصفوته من خلقه وإيل هو الله وإسرا : هو العبد ، كما قيل جبريل بمعنى عبد الله . وكما :

حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : إن إسرائيل كقولك عبد الله .

وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : إيل : الله بالعبرانية .

وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله : يا بَنِي إسْرَائِيلَ أحبار اليهود من بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنسبهم جلّ ذكره إلى يعقوب ، كما نسب ذرية آدم إلى آدم ، فقال : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ وما أشبه ذلك . وإنما خصهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الاَي التي ذكرهم فيها نعمه ، وإن كان قد تقدم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم أن الذي احتجّ به من الحجج والاَيات التي فيها أنباء أسلافهم وأخبار أوائلهم ، وقصص الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم ، ليس عند غيرهم من العلم بصحته ، وحقيقته مثل الذي لهم من العلم به إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم . فعرّفهم باطلاع محمد على علمها مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها ، وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب التي فيها أنباء ذلك ، أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى علم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيل منه ذلك إليه لأنهم من علم صحة ذلك بمحل ليس به من الأمم غيرهم . فلذلك جل ثناؤه خصّ بقوله : يا بَنِي إسْرَائِيلَ خطابهم كما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله : يا بَنِي إسْرَائِيلَ قال : يا أهل الكتاب للأحبار من يهود .

القول في تأويل قوله تعالى : اذْكُرُوا نِعْمَتِي التِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ .

قال أبو جعفر : ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل جل ذكره اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب ، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضرّاء من فرعون وقومه ، إلى التمكين لهم في الأرض ، وتفجير عيون الماء من الحجر ، وإطعام المنّ والسلوى . فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكر ، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم ، فيحلّ بهم من النقم ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه عنده . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : اذْكُرُوا نَعْمَتِي التي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي آلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ قال : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ يعني نعمته التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمي وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وأنجاهم عن عبودية آل فرعون .

وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : نِعمتي الّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ قال : نعمه عامة ، ولا نعمة أفضل من الإسلام ، والنعم بعد تبعَ لها . وقرأ قول الله يَمُنّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنّوا عَلَيّ إسْلاَمَكُمْ الآية . وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، نظير تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافهم على عهده الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم . وذلك قوله : وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلوكا وآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أحَدا مِنَ العَالَمِينَ .

القول في تأويل قوله تعالى : وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ .

قال أبو جعفر : قد تقدم بياننا معنى العهد فيما مضى من كتابنا هذا واختلاف المختلفين في تأويله والصوابُ عندنا من القول فيه . وهو في هذا الموضع عهد الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن يبينوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، وأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة أنه نبيّ الله ، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله . أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وعهده إياهم : أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة ، كما قال جل ثناؤه : وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبا الآية ، وكما قال : فَسأكْتُبُها للّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُمْ بآياتنا يُؤْمِنُونَ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ أُلامّيّ الآية . وكما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وأوْفُوا بعَهْدِي الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . أُوفِ بعَهْدِكُمْ : أي أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم .

وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : أوفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال : عهده إلى عباده : دين الإسلام أن يتبعوه . أُوفِ بِعَهْدِكُمْ يعني الجنة .

وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أوْفُوا بعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أما أوفوا بعهدي : فما عهدت إليكم في الكتاب ، وأما أوف بعهدكم : فالجنة ، عهدت إليكم أنكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنة .

وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال : ذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ بَني إسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبا إلى آخر الآية . فهذا عهد الله الذي عهد إليهم ، وهو عهد الله فينا ، فمن أوفى بعهد الله وفى الله له بعهده .

وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : وأُوفُوا بِعَهْدِي أوفِ بِعَهْدِكُمْ يقول : أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره أوف بعهدكم يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وأُوْفوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ قال : أوفوا بأمري ، أوف بالذي وعدتكم ، وقرأ : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنُفُسَهُمْ وأمُوَالَهُمْ حتى بلغ : وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ قال : هذا عهده الذي عهده لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِيّايَ فارْهَبُونِ .

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ وإياي فاخشوا ، واتقوا أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل والمكذّبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه ، أن أحلّ بكم من عقوبتي ، إن لم تنيبوا وتتوبوا إليّ باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه ما أحللت بمن خالف أمري وكذّب رسلي من أسلافكم . كما :

حدثني به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإيّايَ فَارْهَبُونِ أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره .

وحدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثني آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : وَإيّايَ فَارْهَبُونِ يقول : فاخشون .

وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ بقول : وإياي فاخشون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

{ يا بني إسرائيل } أي أولاد يعقوب ، والابن من البناء لأنه مبنى أبيه ، ولذلك ينسب المصنوع إلى صانعه فيقال : أبو الحرب ، وبنت الفكر . وإسرائيل لقب يعقوب عليه السلام ومعناه بالعبرية : صفوة الله ، وقيل : عبد الله ، وقرئ { إسرائيل } بحذف الياء وإسرال بحذفهما و{ إسرائيل } بقلب الهمزة ياء . { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } أي بالتفكر فيها والقيام بشكرها ، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع ، فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط ، وإن نظر إلى ما أنعم الله به عليه حمله حب النعمة على الرضى والشكر . وقيل أراد بها ما أنعم الله به على آبائهم من الإنجاء من فرعون والغرق ، ومن العفو عن اتخاذ العجل ، وعليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم وقرئ { اذكروا } والأصل إذتكروا . ونعمتي بإسكان الياء وقفا وإسقاطها درجا هو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها .

{ وأوفوا بعهدي } بالإيمان والطاعة .

{ أوف بعهدكم } بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد ، ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثاني إلى المفعول ، فإنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب ، ووعد لهم بالثواب على حسناتهم ، وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتب الوفاء منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ، ومن الله تعالى حقن الدم والمال ، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلا عن غيره ، ومن الله تعالى الفوز باللقاء الدائم . وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أوفوا بعهدي في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، أوف بعهدكم في رفع الأنصار والإغلال . وعن غيره أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب . أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم ، أوف بالكرامة والنعيم المقيم ، فبالنظر إلى الوسائط . وقيل كلاهما مضاف إلى المفعول والمعنى : أوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة ، أوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة . وتفصيل العهدين في سورة المائدة في قوله تعالى : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } إلى قوله : { ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } . وقرئ أوف بالتشديد للمبالغة .

{ وإياي فارهبون } فيما تأتون وتذرون وخصوصا في نقض العهد ، وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول ، والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل : إن كنتم راهبين شيئا فارهبون . والرهبة : خوف مع تحرز . والآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد ، وأن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدا إلا الله تعالى .