معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

قوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ، قال قتادة : لا تقل : رأيت ، ولم تره ، وسمعت ، ولم تسمعه ، وعلمت ، ولم تعلمه . وقال مجاهد : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم . وقال القتيبي : لا تتبعه بالحدس والظن . وهو في اللغة اتباع الأثر ، يقال : قفوت فلاناً أقفوه وفقيته ، وأقفيته إذا اتبعت أثره ، وبه سميت القافية لتتبعهم الآثار . قال القتيبي : هو مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور ، يكون في إقفائها يتبعها ويتعرفها . وحقيقة المعنى : لا تتكلم أيها الإنسان بالحدس والظن . { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } ، قيل : معناه يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده . وقيل : يسأل السمع والبصر والفؤاد عما فعله المرء . وقوله : { كل أولئك } أي : كل هذه الجوارح والأعضاء . وعلى القول الأول يرجع { أولئك } إلى أربابها .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن الحسين ، أنبأنا أبو علي حامد ابن محمد الرفاء ، حدثنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز ، أنبأنا الفضل بن دكين ، حدثنا سعد بن أوس العبسي ، حدثني بلال بن يحيى العبسي أن شتر بن شكل أخبره عن أبيه شكل بن حميد قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله علمني تعويذاً أتعوذ به ، فأخذ بيدي ثم قال : قل : اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ، وشر بصري ، وشر لساني ، وشر قلبي ، وشر منيي قال : فحفظتها ، قال سعد : المني ماؤه " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

22

والعقيدة الإسلامية عقيدة الوضوح والاستقامة والنصاعة . فلا يقوم شيء فيها على الظن أو الوهم أو الشبهة :

( ولا تقف ما ليس لك به علم . إن السمع والبصر والفؤاد . . كل أولئك كان عنه مسؤولا ) . . .

وهذه الكلمات القليلة تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل ، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا ، ويضيف إليه استقامة القلب ومراقبة الله ، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة !

فالتثبيت من كل خبر ومن كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم ، ومنهج الإسلام الدقيق . ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة . ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل . ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم .

والأمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى ، ويجعل الإنسان مسؤولا عن سمعه وبصره وفؤاده ، أمام واهب السمع والبصر والفؤاد .

إنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب . أمانة يسأل عنها صاحبها ، وتسأل عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعا . أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة ، وكلما روى الإنسان رواية ، وكلما أصدر حكما على شخص أو أمر أو حادثة .

( ولا تقف ما ليس لك به علم ) . . ولا تتبع ما لم تعلمه علم اليقين ، وما لم تتثبت من صحته : من قول يقال ورواية تروى . من ظاهرة تفسر أو واقعة تعلل . ومن حكم شرعي أو قضية اعتقادية .

وفي الحديث " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " . وفي سنن أبي داود : " بئس مطية الرجل : زعموا " وفي الحديث الآخر : " إن أفرى الفري أن يري الرجل عينيه ما لم تريا " . .

وهكذا تتضافر الآيات والأحاديث على تقرير ذلك المنهج الكامل المتكامل الذي لا يأخذ العقل وحده بالتحرج في أحكامه ، والتثبت في استقرائه ؛ إنما يصل ذلك التحرج بالقلب في خواطره وتصوراته ، وفي مشاعره وأحكامه ، فلا يقول اللسان كلمة ولا يروي حادثة ولا ينقل رواية ، ولا يحكم العقل حكما ولا يبرم الإنسان أمرا إلا وقد تثبت من كل جزئية ومن كل ملابسة ومن كل نتيجة ، فلم يبق هنالك شك ولا شبهة في صحتها . )إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )حقا وصدقا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

القول في تأويل قوله تعالى { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فقال بعضهم : معناه : ولا تقل ما ليس لك به علم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يقول : لا تقل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنّ السّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال : لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم .

حُدثت عن محمد بن ربيعة ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أبي عمر البزار ، عن ابن الحنفية قال : شهادة الزور .

وقال آخرون : بل معناه : ولا ترم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يقول : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا تَقْفُ ولا ترمِ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وهذان التأويلان متقاربا المعنى ، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور ، ورمى الناس بالباطل ، وادّعاء سماع ما لم يسمعه ، ورؤية ما لم يره . وأصل القفو : العضه والبهت . ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «نَحْنُ بَنُو النّضْرِ بْنِ كِنانَة لا نَقْفُو أمّنا وَلا نَنْتَفِي مِنُ أبِينا » ، وكان بعض البصريين ينشد في ذلك بيتا :

وَمِثْلُ الدّمَى شُمّ العَرَانِينِ ساكِنٌ *** بِهِنّ الحَياءُ لا يُشِعْنَ التّقافِيا

يعني بالتقافي : التقاذف . ويزعم أن معنى قوله لا تَقْفُ لا تتبع ما لا تعلم ، ولا يعنيك . وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة ، يزعم أن أصله القيافة ، وهي اتباع الأثر وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة : «وَلا تَقُفْ » بضم القاف وسكون الفاء ، مثل : ولا تقل . قال : والعرب تقول : قفوت أثره ، وقُفت أثره ، فتقدّم أحيانا الواو على الفاء وتؤخرها أحيانا بعدها ، كما قيل : قاع الجمل الناقة : إذا ركبها وقَعَا وعاثَ وعَثَى وأنشد سماعا من العرب .

ولَوْ أنّي رَمَيْتُكَ مِنْ قَرِيبٍ *** لَعاقَكَ مِنْ دُعاءٍ الذّئْبِ عاقِ

يعني عائق ، ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : لا تقل للناس وفيهم ما لا علم لك به ، فترميهم بالباطل ، وتشهد عليهم بغير الحقّ ، فذلك هو القفو .

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب ، لأن ذلك هو الغالب من استعمال العرب القفو فيه .

وأما قوله إنّ السّمْعَ والبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً فإن معناه : إن الله سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها ، من أنه سمع أو أبصر أو علم ، تشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحقّ ، وقال «أولئك » ، ولم يقل «تلك » ، كما قال الشاعر :

ذُمّ المَنازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللّوَى *** والعَيْشَ بَعْدِ أُولَئِكَ الأيّامِ

وإنما قيل : أولئك ، لأن أولئك وهؤلاء للجمع القليل الذي يقع للتذكير والتأنيث ، وهذه وتلك للجمع الكثير فالتذكير للقليل من باب أَنْ كان التذكير في الأسماء قبل التأنيث . لك التذكير للجمع الأوّل ، والتأنيث للجمع الثاني ، وهو الجمع الكثير ، لأن العرب تجعل الجمع على مثال الأسماء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

{ ولا تقفُ } ولا تتبع وقرئ { ولا تقف } من قاف اثره إذا قفاه ومنه القافة . { ما ليس لك به علم } ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب ، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند ، سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع . وقيل إنه مخصوص بالعقائد . وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام " من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج " . وقول الكميت :

ولا أرمي البريء بغير ذنبٍ *** ولا اقفُو الحواصن أن قفينا

{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك } أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها ، هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله :

والعيش بعد أولئك الأيَام *** . . . . . . . . . . . . . . . . .

{ كان عنه مسئولا } في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه ، يعني عما فعل به صاحبه ، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر { لا تقف } أو لصاحب السمع والبصر . وقيل { مسؤولا } مسند إلى { عنه } كقوله تعالى : { غير المغضوب عليهم } والمعنى يسأل صاحبه عنه ، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم ، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية . وقرئ { والفؤاد } بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

وقوله { ولا تقف } معناه ولا تقل ولا تتبع .

قال القاضي أبو محمد : لكنها لفظة تستعمل في القذف والعضه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «نحن بنو النضر لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا »{[7568]} ، ونقول فلان ِقْفَوتي أي موضع تهمتي ، وتقول العرب رب سامع عذرتي ولم يسمع قفوتي{[7569]} أي ما رميت به ، وهذا مثل للذي يفشي سره ويعتذر من ذنب لم يسمعه المعتذر إليه ، وقد قال ابن عباس أيضاً ومجاهد : { ولا تقف } معناه ، ولا ترم ، ومن هذه اللفظة قول الشاعر :

ومثل الدمى شم العرانين ساكن . . . بهن الحياء لا يشعن التقافيا{[7570]}

وقال الكميت : [ الوافر ]

ولا أرم البرى بغير ذنب . . . ولا أقفو الحواضن إن قفينا{[7571]}

وأصل هذه اللفظة من اتباع الأثر ، تقول قفوت الأثر ، ويشبه أن هذا من القفا مأخوذ ، ومنه قافية الشعر لأنها تقفو البيت ، وتقول قفت الأثر ، ومن هذا : هو القائف ، وتقول فقوت الأثر بتقديم الفاء على القاف ، ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في بعض الألفاظ ، كما قالوا وعمري في لعمري وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت قفا وقاف مثل عثا وعاث ، فمعنى الآية ، ولا تتبع لسانك من القول ما لا علم لك به ، وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب فهذه الآية بالجملة تنهى عن قول الزور والقذف وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة الردية ، وقرأ الجمهور «ولا تقف » ، وقرأ بعض الناس فيما حكى الكسائي «ولا تقُفْ » بضم القاف وسكون الفاء ، وقرأ الجراح «والفآد » بفتح الفاء وهي لغة ، وأنكرها أبو حاتم وغيره{[7572]} ، وعبر عن { السمع والبصر والفؤاد } ب { أولئك } لأنها حواس لها إدراك ، وجعلها في هذه الآية مسؤولة ، فهي حالة من يعقل ، فلذلك عبر عنها ب { أولئك } ، وقد قال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى :

{ رأيتهم لي ساجدين }{[7573]} إنه إنما قال رأيتهم في نجوم لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل ، عبر عنها بكناية من يعقل ، وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل ب «أولئك » ، وأنشد هو والطبري : [ الكامل ] .

ذم المنازل بعد منزلة اللوى . . . والعيش بعد أولئك الأيام{[7574]}

فأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده ، وأما البيت فالرواية فيه الأقوام ، والضمير في { عنه } يعود على ما ليس للإنسان به علم ، ويكون المعنى أن الله تعالى يسأل سمع الإنسان ، وبصره ، وفؤاده عما قال مما لا علم له به ، فيقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي ، ويحتمل أن يعود الضمير في { عنه } على كل التي هي للسمع والبصر والفؤاد ، والمعنى أن الله تعالى يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصر وفؤاده ، فكأنه قال كل هذه كان الإنسان عنه مسؤولاً ، أي عما حصل لهؤلاء من الإدراكات ووقع منها من الخطأ ، فالتقدير عن أعمالها مسؤولاً ، فهو على حذف مضاف .


[7568]:أخرجه ابن ماجه في الحدود، وأحمد في مسنده (5 – 211، 212)، ولفظه كما في المسند، عن الأشعث بن قيس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقج لا يرون أني أفضلهم، فقلت: يا رسول الله، إنا نزعم أنكم منا، ولا ننتفي من أبينا)، قال: فكان الأشعث يقول: لا أوتي برجل نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد. ومعنى (لا نقفو أمنا): لا نسب أمنا.
[7569]:العذرة: المعذرة، والقفوة: الذئب، يقال: قفوت الرجل إذا قذفته بفجور صريحا، وفي الحديث الشريف: (لا حد إلا في القفو البين). وهذا المثل يقوله الرجل يعتذر من أمر شتم به إلى الناس، ولو سكت لم يعلم به. ويروى هذا المثل: "ري سامع قفوتي ولم يسمع عذرتي"، قال الأصمعي: معناه: سمع ما أكره من أمري، ولم يسمع ما يغسله عني.
[7570]:هذا البيت للنابغة الجعدي، وهو عبد الله بن قيس، أبو ليلى، وقد استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن على أن معنى التقافي: التقاذف. وقد نقل صاحب اللسان عن أبي عبيد أن الأصل في القفو والتقافي: البهتان يرمي به الرجل صاحبه، ويقال: قفا فلان فلانا: أتبعه أمرا كلاما قبيحا، وقال الفراء عن هذه الآية: أكثر القراء يجعلونها من قفوت، والدمى: جمع دمية، وهي التمثال من العاج أو المرمر ونحوهما. والعرانين: جمع عرنين، وهو ما صلب من عظم الأنف، أي القصبة، والشمم في العرانين هو ارتفاعها، وهو من علامات الجمال، يصفهن بالجمال فيشبههن بالدمى، وبجمال الأنوف المرتفعة، والحياء الذي يكسبهن الوقار والكمال، ثم يختم ذلك بأنهن لا يعرفن تتبع الأقاويل، ولا يبحثن عن عيوب الناس وأخبارهم.
[7571]:هذا البيت شاهد أيضا على أن القفو هو تتبع عورات الناس وعيوبهم. ورمى فلان فلانا بأمر قبيح: قذفه به، ومنه قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات}، وقوله: {والذين يرمون أزواجهم}، يقول: إنه لا يرمي بريئا ولا يقذفه بأمر قبيح وهو لم يرتكب ذنبا، والحواصن: جمع حاصن من النساء، يقال: حصنت المرأة تحصن حصنا وحصنا إذا عفت عن الريبة، وقيل: الحواصن من النساء: الحبالى: فهو أيضا لا يتهم المحصنات من النساء إذا تتبعهن غيره من الناس، وظاهر من بيت الكميت أنه تأثر كثيرا بالقرآن الكريم، لفظا ومعنى.
[7572]:قال أبو الفتح ابن جني: "لم يذكر أبو حاتم هو ولا ابن مجاهد الهمز ولا تركه، وقد يجوز ترك الهمز مع فتح الفاء، كأنه كان (الفؤاد) بضم الفاء وبالهمز، ثم خففت فخلصت في اللفظ واوا، وفتحت الفاء على ما في ذلك. فبقيت واوا"، ومعنى ذلك أنه يختار مع فتح الفاء ترك الهمز.
[7573]:من الآية (4) من سورة (يوسف).
[7574]:هذا البيت لجرير، قاله من قصيدة يجيب بها الفرزدق، ومطلعها: سرت الهموم فبتن غير نيام وأخو الهمــوم يروم كل مــرام. والشاهد فيه عند الزجاج والطبري هو الإشارة إلى الأيام بأولئك، وابن عطية يقول: إن الرواية هي الأقوام بدلا من الأيام، وعلى هذا فلا شاهد في البيت.