الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

ثم قال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } [ 36 ] .

قال ابن عباس : معناه ولا تقل ما ليس لك به علم{[40967]} .

وقال قتادة : لا تقل رأيت ولم تر ، ولا سمعت ، ولم تسمع فإن الله سائلك عن ذلك كله{[40968]} . وقال محمد بن الحنفية{[40969]} : هو شهادة الزور{[40970]} . وعن ابن عباس أيضا معناه : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم . وكذلك قال مجاهد{[40971]} .

فدخل في هذه المعاني النهي عن قذف المحصنة ، وعن القول في الناس/بما لا تعلم{[40972]} ، وعن الكلام في الدين والفقه بالظن{[40973]} .

وقيل معناه : لا ترم أحدا بذنب لم تحققه ، وإنما هو ظن ظننته به .

والقفو شبيه بالبهتان : يرمي به الرجل صاحبه{[40974]} .

وقال الفراء : تقف من القيافة ، يقال : قاف القايف يقوف إذا اتبع الأثر{[40975]} [ إلا{[40976]} ] أنهم قدموا القاف وأخروا الواو ، كقولهم : جدب وجبذ{[40977]} .

وقرأ بعضهم : " ولا تقف " {[40978]} مثل تقبل من : قفت الأثر{[40979]} وقراءة الجماعة من قفوت . وهو مثل قولهم : قاع الجمل يقوع وقعا يقعوا إذا ركب الناقة . ومثله قولهم عاث في البلاد وعثى إذا أفسد{[40980]} .

فأما قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد } [ 36 ] فإنه يدخل فيه النهي عن الاستماع إلى ما لا يحل ، والنظر إلى ما لا يحل لأن هذه الأعضاء مسؤولة عما يستعملها ابن آدم فيه من خير وشر{[40981]} .

وأصل القفو في اللغة التتبع{[40982]} . ومنه [ يقال{[40983]} ] قفوت أثر فلان أي تتبعته ، ولذلك قال أبو عبيدة ، " ولا تقف ما ليس " لا تتبع ما ليس لك به علم{[40984]} .

وحكى الكسائي عن العرب : قفوت أثره وقفت مثل قلت فيقدمون مرة الواو ويؤخرونها مرة كما يقال : قاع الجمل الناقة إذا ركبها وقعاها . فيكون على القلب مثل قول الشاعر :

ولو أني رميتك من بعيد *** لعاقك من دعاء الذنب{[40985]} عاق{[40986]}

يريد عائق ، فقلب{[40987]} .

وقوله : " كل أولئك " ولم يقل ذلك ، فإنما جرى على ذلك{[40988]} لأن " أولئك " و " هؤلاء " للجمع القليل{[40989]} الذي يقع للتأنيث والتذكير . و " هذه " و " تلك " للجمع الكثير . والتذكير{[40990]} للقليل من الجمع{[40991]} كما كان التذكير في الأسماء قبل التأنيث والتأنيث بعده . فكذلك التذكير للجمع{[40992]} الأول ، والتأنيث{[40993]} للجمع الثاني وهو : الجمع{[40994]} الكثير{[40995]} .

وقال الزجاج : كل ما{[40996]} أشرت إليه من الناس ، وغيرهم ، ومن الموات فلفظه لفظ أولئك{[40997]} .

وقيل : كل ما{[40998]} تشير إليه وهو متراخ عنك فلفظه لفظ أولئك .


[40967]:انظر: قوله في جامع البيان 15/86 وأحكام ابن العربي 3/1211 والدر المنثور 5/286.
[40968]:انظر: قوله في جامع البيان 15/86، وأحكام ابن العربي 3/1211، والجامع 10/167، والدر 5/286، واللسان (قفا).
[40969]:ق: "الحنفية"، وهو محمد بن علي بن أبي طالب، أبو القاسم المعروف بابن حنيفة، وهو ابن علي من خولة بنت جعفر ينسب إليها. ولد بالمدينة سنة 62 هـ وتوفي بها سنة 125، انظر: ترجمته: في الحلية 3/174، وصفة الصفوة 2/77، ووفيات الأعيان 4/169، والأعلام 6/270.
[40970]:انظر: قوله في جامع البيان 15/86، وأحكام ابن العربي 3/1211، والجامع 10/167 والدر 5/286 واللسان (قفا).
[40971]:انظر: قوله في جامع البيان 15/86، وأحكام ابن العربي 3/1211، والجامع 10/167 والدر 5/286 واللسان (قفا).
[40972]:ط: يعلم.
[40973]:وهذا قول النحاس، انظر: إعراب النحاس 2/424.
[40974]:وهو قول أبي عبيد، انظر: اللسان (قفا).
[40975]:ط: "الأثري".
[40976]:ساقط من ط.
[40977]:أورد هذا القول: الطبري منسوبا لبض أهل العربية من أهل الكوفة 15/87، ولم أجده في معاني الفراء، وانظر: نحوه في المحرر 10/293-294 منسوبا لمنذر بن سعيد.
[40978]:ورويت عن معاذ، انظر: معاني الفراء 2/123، وشواذ القرآن 80 والبحر.
[40979]:ط: "الأثر".
[40980]:وهو قول الفراء، انظر: معاني الفراء 2/123، جامع البيان 15/87، والمحرر 10/294.
[40981]:وهو تفسير النحاس، انظر: إعراب النحاس 2/424.
[40982]:انظر: اللسان (قفا).
[40983]:ساقط من ط.
[40984]:انظر: قوله في مجاز القرآن 1/379، واللسان (قفا) منسوبا للأخفش.
[40985]:ط: "الذيب" وفي جامع البيان "الذئب" وفي معاني الفراء "النيب".
[40986]:البيت منسوب لحميد بن ثور في الصحاح (عقا)، ولذي الخرق الطهوي مع أبيات أخرى في اللسان (عقا) برواية "من قريب" وفيه أنه "الصواب كما ذكر ابن بري"، والبيت بلا نسبة في معاني الفراء 2/124، وجامع البيان 15/87، واللسان (عوق) مع بعض الاختلاف في اللفظ.
[40987]:وهو قول ابن جرير انظر: جامع البيان 15/87.
[40988]:ط: "كذا".
[40989]:ق: "والقليل".
[40990]:ق "الأول والتأنيث للقليل".
[40991]:ط: "للجمع".
[40992]:ق: "في الجمع".
[40993]:ط: "الثانية".
[40994]:ق: "للجمع".
[40995]:هذا الإعراب لابن جرير، انظر: جامع البيان 15/88، وفيه سقط.
[40996]:في النسختين "كلما".
[40997]:انظر: قوله في معاني الزجاج 239، والجامع 10/169.
[40998]:في النسختين "كلما".