وقوله سبحانه : { وَلاَ تَقْفُ } [ الإسراء : 36 ] .
معناه لا تقُلْ ولا تتَّبع ، واللفظة تستعملُ في القَذْف ، ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ لاَ نَقْفُوا أُمَّنَا ، وَلاَ نَنْتِفى مِنْ أَبِينَا ) ، وأصل هذه اللفظة من اتباع الأثر ، تقول : قَفَوْتُ الأَثَرَ ، وحكى الطبريُّ عن فرقةٍ أنها قالَتْ : قَفَا وقَافَ ، مثل عَثَا وعَاث ، فمعنى الآية : ولا تتبع لسانَكَ من القول من ما لا عِلْمَ لك به ، وبالجملة : فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذفِ وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والمُرْدِيَة .
{ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } عبَّر عن هذه الحواسِّ ب{ أولئك } . لأن لها إدراكاً وجعلها في هذه الآية مسؤولة ، فهي حالَةُ مَنْ يعقل .
( ت ) : قال ( ص ) : وما توهمه ابنُ عطية { أولئك } تختصُّ بمن يعقل ليس كذلك إِذ لا خلاف بين النحاة في جواز إطلاق «أولاء » و«أولئك » على مَنْ لا يعقل ، ( ت ) : وقد نقل ( ع ) الجَوَازَ عن الزَّجَّاجِ وفي ألفِيَّةِ ابْنِ مالك : [ الرجز ]
وبأولى أَشِرْ لِجَمْعٍ مُطْلَقَا
فقال ولده بدر الدين : أي سواءٌ كان مذكَّراً أو مؤنَّثاً ، وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل ، وقد يجيء لغيره كقوله : [ الكامل ]
ذُمَّ المَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى *** والعَيْشَ بَعْدَ أُوَلئِكَ الأَيَّامِ
وقد حكى ( ع ) البيْتَ ، وقال : الرواية فيه «الأقوامِ » ، واللَّه أعلم ، انتهى .
والضمير في { عَنْهُ } يعودُ على ما ليس للإِنسان به عِلْم ، ويكون المعنى : أن اللَّه تعالى يَسْأَل سَمْعَ الإِنسان وبَصَره وفُؤَاده عمَّا قال مما لاَ عْلَم له به ، فيقع تكذيبه مِنْ جوارحه ، وتلك غايةُ الخزْي ، ويحتمل أنْ يعود على { كُلٌّ } التي هي السمْعُ والبصر والفؤاد ، والمعنى : أن اللَّه تعالى يسأل الإِنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده .
قال صاحبُ «الكَلِمِ الفَارِقِيَّة » لا تَدَعْ جَدْوَلَ سمِعْكَ يجرى فيه أُجَاج الباطل ؛ فيلهب باطنك بنار الحِرْص على العاجل ، السَّمْعُ قُمْعٌ تغور فيه المعاني المَسْمُوعة إِلى قرار وعاء القَلْب ، فإنْ كانَتْ شريفةً لطيفةً ، شرَّفَتْه ولطَّفَتْه وهذَّبَتْه وزكَّتْه ، وإِن كانَتْ رذيلةً دنيَّةً ، رذَّلَتْه وخبَّثَتْه ، وكذلك البصَرُ منْفُذٌ مِنْ منافذ القَلْبِ ، فالحواسُّ الخمْسُ كالجداول والرواضِعِ تَرْضَعُ من أثداءِ الأشياء التي تُلاَبِسُها ، وتأخذ ما فيها من معانيها وأوصافها ، وتؤدِّيها إلى القَلْب وتنهيها ، انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.