النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

قوله عز وجل : { ولا تقف ما ليس لك به عِلْمٌ } فيه ثلاثة تأويلات :أحدها : معناه لا تقل ما ليس لك به علم فلا تقل رأيت ، ولم تر ، ولا سمعت ، ولم تسمع ، ولا علمت ولم تعلم . وهذا قول قتادة . الثاني : معناه ولا ترم أحد بما ليس لك به علم ، وهذا قول ابن عباس . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " نحن بني النضر كنانة لا نقْفُو أمنا ولا ننتفي من أبينا " . الثالث : أنه من القيافة وهو اتباع الأثر ، وكأنه يتبع قفا المتقدم ، قال الشاعر :

ومِثْلُ الدُّمى شُمُّ العَرَنِينِ سَاكِنٌ ***   بِهِنَّ الْحَيَاءُ لا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا

أي التقاذف .

{ إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أُولئك كان عنه مسئولاً } يحتمل وجهين :أحدهما : أن يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد لأنه يعمل بها إلى الطاعة والمعصية . الثاني : أن السمع والبصر والفؤاد تُسأل عن الإنسان ليكونوا شهوداً عليه ، وله ، بما فعل من طاعة وما ارتكب من معصية ، ويجوز أن يقال أولئك لغير الناس{[1791]} ، كما قال جرير :

ذُمّ المنازِلِ بَعْدَ منزِلِةِ اللِّوى ****   والْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأَيَّامِ


[1791]:وحكى الزجاج ذلك وأنشد هو الطبري هذا البيت.. انظر تفسير الطبري عند الكلام على هذه الآية.