التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

قوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } .

قال الشيخ الشنقيطي : نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن إتباع الإنسان ما ليس له به علم ، ويشمل ذلك قوله : رأيت ولم ير ، وسمعت ولم يسمع ، وعلمت ولم يعلم ، ويدخل فيه كل قول بلا علم ، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم ، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر كقوله : { إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقوله : { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقوله { يا أيها الذين آمنوا إن بعض الظن إثم } الآية ، قوله : { قل الله أذن لكم أم على الله تفترون } ، وقوله : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } وقوله : { وما لهم به من علم إلا إتباع الظن } ، وقال أيضا : وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } ، فيه وجهان من التفسير :

الأول- إن معنى الآية : إن الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه فيقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى ، كقوله : { و لتسألن عما كنتم تعملون } وقوله { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون } ، ونحو ذلك من الآيات .

والوجه الثاني- أن الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها ، فتشهد عليه جوارحه بما فعل ، قال القرطبي في تفسيره : وهذا المعنى أبلغ في الحجة فإنه يقع تكذيبه من جوارحه ، وتلك غاية الخزي كما قال : { اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } وقوله { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون } قال مقيده عفا الله عنه : والقول الأول أظهر عندي وهو قول الجمهور أ . ه .

أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } يقول : لا تقل .

وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد { ولا تقف } ولا ترمِ .

أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } قال : لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم .

قال ابن كثير : ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم ، بل بالظن الذي هو التوهم والخيال ، كما قال تعالى { اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } سورة الحجرات آية12 . وفي الحديث : " إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث " .

أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ( صحيح البخاري-النكاح ، ب لا يخطب على خطبة أخيه رقم5143 ) ( وصحيح مسلم-البر ، ب تحريم الظن والتجسس رقم2563 ) .

وفي الحديث الآخر : " من أفرى الفري أن يُريَ عينه ما لم تر " .

أخرجه البخاري من حديث ابن عمر( الصحيح-التعبير ، ب من كذب في حلمه رقم7042 ) .

وفي الصحيح : " من تحلم حلما كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ، وليس بعاقد " .

أخرجه البخاري من حديث ابن عباس( المصدر السابق رقم7043 ) .