الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} (36)

{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }

قال قتادة : لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمعه وعلمت ولم تعلمه وهذه رواية علي عن ابن عبّاس .

قال مجاهد : ولا ترم أحداً بما ليس لك به علم ، وهي رواية عطية عن ابن عبّاس .

وقال ابن الحنفية : هو شهادة الزور .

قال [ القتيبي ] : لا تتبع الحدس والظنون ، وكلها متقاربة ، وأصل القفو البهت والقذف بالباطل . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا " .

وقال النابغة :

ومثل الدمى شم العرانين ساكن *** بهن الحياء لا يشعن التقافيا

وقال الكميت :

فلا أرمي البرىء بغير ذنب *** ولا أقفوا الحواصين أن [ قفينا ]

وقال [ القتيبي ] : فهو مأخوذ من القفاء كأنه يقفوا الأمور ويكون في أقفائها يعقبها [ ويتتبعها ] ويتعرفها . يقال : قفوت أثره على وزن دعوت والنهي منه لا يقف ، كقولك : لا تدع .

وحكى الفراء عن بعضهم : أن أصله من القيافة ، وهو اتباع الأثر وإذا كان كذلك وجب أن يكون [ ولا تقف ] بضم القاف وسكون الفاء مثل : ولا تقل ، قال : والعرب تقول : قفوت أثرها وقفت مثل قولهم : قاع الجمل الناقة إذا ركبها وقعا ، وعاث وعاثا واعتام واعتمى واحتاج ماله واحتجا .

قال الشاعر :

ولو إني رميتك من قريب *** لعاقك من دعاء الذئب عاق

أي عانق .

{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ } أي كل هذه الجوارح والأعضاء ما يقل تلك .

كقول الشاعر ، وهو جرير :

ذم المنازل بعد منزلة اللوى *** والعيش بعد أولئك الأيام

ويجوز أن يكون راجع إلى أصحابها وأربابها .