قوله تعالى : { وجاؤوا على قميصه بدم كذب } ، أي : بدم هو كذب ، لأنه لم يكن دم يوسف . وقيل : بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم . وفي القصة : أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه ، فقال يعقوب عليه السلام : كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه ؟ فاتهمهم . { قال بل سولت } زينت ، { لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل } ، معناه : فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل . وقيل : فصبر جميل أختاره . والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع . { والله المستعان على ما تصفون } ، أي : أستعين بالله على الصبر ، على ما تكذبون . وفي القصة : أنهم جاءوا بذئب وقالوا هذا الذي أكله فقال له يعقوب يا ذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ؟ فأنطقه الله عز وجل ، فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط . قال : كيف وقعت بأرض كنعان ؟ . قال : جئت لصلة قرابة فصادني هؤلاء فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام .
ولكن عدم تصديقك إيانا ، لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي ، وكل هذا ، تأكيد لعذرهم . { وَ } مما أكدوا به قولهم ، أنهم { جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } زعموا أنه دم يوسف حين أكله الذئب ، فلم يصدقهم أبوهم بذلك ، و { قَالَ } { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } أي : زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه ، لأنه رأى من القرائن والأحوال [ ومن رؤيا يوسف التي قصَّها عليه ]{[442]} ما دلّه على ما قال .
{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي : أما أنا فوظيفتي سأحرص على القيام بها ، وهي أني أصبر على هذه المحنة صبرا جميلا سالما من السخط والتَّشكِّي إلى الخلق ، وأستعين الله على ذلك ، لا على حولي وقوتي ، فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله : { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } لأن الشكوى إلى الخالق لا تنافي الصبر الجميل ، لأن النبي إذا وعد وفى .
وقوله تعالى : { وجاءوا على قميصه بدم كذب } الآية ، روي أنهم أخذوا سخلة{[6599]} أو جدياً فذبحوه ولطخوا به قميص يوسف ، وقالوا ليعقوب : هذا قميصه ، فأخذه ولطخ به وجهه وبكى ، ثم تأمله فلم ير خرقاً ولا أثر ناب .
فاستدل بذلك على كذبهم ، وقال لهم : متى كان الذئب حليماً ، يأكل يوسف ولا يخرق قميصه ؟ - قص هذا القصص ابن عباس وغيره ، وأجمعوا على أنه استدل على كذبهم لصحة القميص - واستند الفقهاء إلى هذا في إعمال الأمارات في مسائل كالقسامة بها - في قول مالك - إلى غير ذلك .
قال الشافعي : كان في القميص ثلاث آيات : دلالته على كذبهم وشهادته في قده ، ورد بصر يعقوب به{[6600]} . وروي أنهم ذهبوا فأخذوا ذئباً فلطخوا فاه بالدم وساقوه وقالوا ليعقوب ، هذا أكل يوسف ، فدعاه يعقوب فأقعى وتكلم بتكذيبهم .
ووصف الدم ب { كذب } إما على معنى بدم ذي كذب ، وإما أن يكون بمعنى مكذوب عليه ، كما قد جاء المعقول بدل العقل في قول الشاعر :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه*** لحماً ولا لفؤادِهِ معقولا{[6601]}
فكذلك يجيء التكذيب مكان المكذوب .
قال القاضي أبو محمد : هذا كلام الطبري ، ولا شاهد له فيه عندي ، لأن نفي المعقول يقتضي نفي العقل ، ولا يحتاج إلى بدل ، وإنما «الدم الكذب » عندي وصف بالمصدر على جهة المبالغة .
وقرأ الحسن : «بدم كذب » بدال غير معجمة ، ومعناه الطري ونحوه ، وليست هذه القراءة قوية{[6602]} .
ثم قال لهم يعقوب لما بان كذبهم : { بل سولت لكم أنفسكم أمراً } أي رضيت وجعلت سولاً ومراداً54 { أمراً } أي صنعاً قبيحاً بيوسف . وقوله : { فصبر جميل } رفع إما على حذف الابتداء وإما على حذف الخبر : إما على تقدير : فشأني صبر جميل ، وإما على تقدير فصبر جميل أمثل . وذكر أن الأشهب وعيسى بن عمر قرأ بالنصب : «فصبراً جميلاً » على إضمار فعل ، وكذلك هي في مصحف أبيّ ومصحف أنس بن مالك - وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر ، ولذا يحسن النصب في قول الشاعر [ الرجز ]
. . . . . . . . صبرا جميلاً فكلانا مبتلى*** وينشد أيضاً بالرفع ويروى «صبر جميل » ، على نداء الجمل المذكور في قوله : [ الرجز ]
شكى إليّ جملي طول السرى*** يا جملي ليس إليّ المشتكى
صبر جميل فكلانا مبتلى*** وإنما تصح قراءة النصب على أن تقدر يعقوب عليه السلام رجع إلى مخاطبة نفسه أثناء مخاطبة بنيه .
وجميل الصبر ألا تقع شكوى إلى بشر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من بث لم يصبر صبراً جميلاً »{[6603]} .
وقوله : { والله المستعان على ما تصفون } تسليم لأمر الله تعالى وتوكل عليه ، والتقدير على احتمال ما تصفون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.