تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي : مكذوب مفترى . وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ، وهو أنهم عمدوا إلى سَخْلة - فيما ذكره مجاهد ، والسدي ، وغير واحد - فذبحوها ، ولطخوا ثوب يوسف بدمها ، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ، وقد أصابه من دمه ، ولكنهم نسوا أن يخرقوه ، فلهذا لم يَرُج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب ، بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي : فسأصبر صبرًا جميلا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه ، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ، { وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي : على ما تذكرون من الكذب والمحال .

وقال الثوري ، عن سِمَاك ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس : { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } قال : لو أكله السبع لخرق القميص . وكذا قال الشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد .

وقال مجاهد : الصبر الجميل : الذي لا جزع فيه .

وروى هُشَيْم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبَّان بن أبي جَبَلة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } فقال : " صبر لا شكوى{[15087]} فيه " وهذا مرسل{[15088]} .

وقال عبد الرزاق : قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال : ثلاث من الصبر : ألا تحدث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكي نفسك{[15089]} .

وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ، رضي الله عنها ، في الإفك حتى ذكر قولها : والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف{[15090]} { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } {[15091]} .


[15087]:- في ت : "لا قوى".
[15088]:- تفسير الطبري (15/585).
[15089]:- تفسير عبد الرزاق (1/277).
[15090]:- في ت : "إلا يعقوب" وفي أ : "إلا أبا يوسف إذ قال".
[15091]:- صحيح البخاري برقم (4690).