الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

ثم قال تعالى : { وجاءو على قميصه بدم كذب }[ 18 ] ، أي : بدم ذي كذب . قال ابن عباس ، ومجاهد : ذبحوا سخلة{[33818]} على قميصه{[33819]} .

وقال السدي : ذبحوا جديا ، ثم لطخوا القميص بدمه ، ثم أقبلوا إلى أبيهم{[33820]} ، فقال يعقوب عليه السلام{[33821]} : ( إن كان هذا الذئب لرحيما كيف أكل لحمه ، ولم يخرق قميصه ؟ يا بني ، يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء ! ؟ {[33822]}

قال الحسن : جعل يعقوب{[33823]} يقلب القميص ، ويقول : ما عهدت الذئب حليما ، إنه أكل ابني ، وأبقى على قميصه{[33824]} .

ثم قال مكذبا{[33825]} لهم : { بل سولت لكم أنفسكم أمرا }[ 18 ] أي : زينت لكم في يوسف ، وحسنته لكم{[33826]} . { فصبر جميل } : أي : فأمري صبر جميل ، وشأني صبر . ( أي ){[33827]} : فصبري عليه صبر جميل{[33828]} .

وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على معنى : ( فاصبر صبرا جميلا ){[33829]} على المصدر . والرفع أبِْلَغُ/ ، وأحسن ، وإنما يختار النصب في الأمر خاصة{[33830]} . والصبر الجميل : هو الصبر الذي لا جزع معه{[33831]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : هو الصبر الذي لا شكوى معه{[33832]} وكان يعقوب عليه السلام{[33833]} ، قد سقط{[33834]} حاجباه : فكان يرفعهما بخرقة . فقيل له : ما هذا ؟ فقال : طول الزمان ، وكثرة الأحزان ، فأوحى الله عز وجل{[33835]} ، إليه : أتشكوني يا يعقوب ؟ فقال : رب{[33836]} خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي{[33837]} .

ثم قال : { والله المستعان على ما تصفون }[ 18 ] : أي : على احتماله . وقال قتادة : ( على ما تكذبون ){[33838]} .

قال الثوري : ثلاث{[33839]} من الصبر : أن لا تحدث بما يوجعك ، ولا بمصيبتك ، و{[33840]} لا تزكي نفسك .

ومن حديث ابن لهيعة{[33841]} ، رفعه{[33842]} إلى ابن عمر ، أن يعقوب عليه السلام{[33843]} قال{[33844]} لبنيه : يا بني ( إيتو( ني ){[33845]} بالذئب الذي أكل ولدي ، إن كنتم صادقين ، قال{[33846]} : فخرجوا إلى واد لهم يسعون فيه ، فإذا هم بذئب قد انحط عليهم من شفير الوادي ، فاعترضو( ه ){[33847]} سراعا ، وأخذوه قسرا ، وأوثقوه كتافا ، وعمدوا إلى حمل لهم{[33848]} من غنمهم ، فذبحون ، ولطخوا جحفلة الذئب بدمه وصدره ثم حملوه إلى أبيهم ، فقالوا : هذا الذئب الذي أكل يوسف أخانا . فقال لهم أطلق( و )ا{[33849]} ، فأطلق( و{[33850]} )ه فقال له : يعقوب{[33851]} : قف أيها الذئب بإذن الله ، فوقف الذئب مقعى{[33852]} على ذنبه . فقال له يعقوب{[33853]} : أسألك أيها الذئب بالذي اتخذني نبيا ، وبعثني رسولا . هل أكلت يوسف{[33854]} فيما أكلت{[33855]} ؟ فقال له الذئب : والذي بعثك رسولا ، واتخذ( ك ){[33856]} نبيا . إن هذه البلاد ما دخلتها إلا ساعتي هذه ، ثم حكى ليعقوب ما صنعوا به وبالحمل . ثم قال الذئب : يا نبي الله ، وأنا أسمو{[33857]} إلى أكل نبيي ! أو ما علمت أن لحوم الأنبياء محرمة{[33858]} على السباع ؟ قال له يعقوب : صدقت أيها الذئب . أنت كنت أشفق على يوسف من إخوته ){[33859]} ، اذهب حيث شئت{[33860]} .


[33818]:السخلة هي: ولد الشاة من المعز، والضأن ذكرا كان أم أنثى. انظر: اللسان: سخل.
[33819]:انظر هذين القولين في: تفسير مجاهد 393، وجامع البيان 15/580.
[33820]:ق: اليهم.
[33821]:ط: صم.
[33822]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/580.
[33823]:ط: صم.
[33824]:انظر هذا القول في: معاني الفراء 2/38، وجامع البيان 15/581.
[33825]:ق: ما كذبا. ط: قال لهم مكذبا.
[33826]:انظر هذا التوجيه في: مجاز القرآن 1/303، وغريب القرآن 213.
[33827]:ساقط من ق.
[33828]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/318، وجامع البيان 15/584.
[33829]:انظر: هذه القراءة في: معاني الفراء 2/39، وعزاها إلى أبي، وغريب القرآن 213، وإعراب النحاس 2/318، وشواذ القرآن 67، وزاد نسبتها في المحرر 9/265 إلى: الأشهب، وأنس.
[33830]:انظر: إعراب مكي 1/424.
[33831]:انظر هذا التوجيه في: تفسير مجاهد 393، وجامع البيان 15/584. ومعاني الزجاج 3/96.
[33832]:هذا الخبر رواه الطبري في: جامع البيان 15/584. وزاد: من بث لم يصبر.
[33833]:ق: سقطت.
[33834]:ط: صم.
[33835]:ساقط من ق.
[33836]:ط: يا رب.
[33837]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/586، وهو من الإسرائيليات.
[33838]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/586.
[33839]:ط: ثلاثا. ق: التوري. ط: الثور.
[33840]:ساقط من ق.
[33841]:هو أبو عبد الرحمن، عبد الله بن لهيعة الغافقي، عالم بالفقه، والحديث، {ت 174 هـ) انظر: ميزان الاعتدال 2/475، وانظر: 342.
[33842]:ق: يرفعه ط: فرفعه.
[33843]:ط: صم.
[33844]:ق: فقال.
[33845]:ساقط من ق.
[33846]:ق: قالوا.
[33847]:ساقط من ق.
[33848]:ط: حمل من ق: إلى حمالهم.
[33849]:ساقط من ق.
[33850]:انظر المصدر السابق.
[33851]:ق: يا يعقوب.
[33852]:ط: مقعيا.
[33853]:ق: يا يعقوب.
[33854]:ط: مطموس.
[33855]:ق: فيما أكلت فيما أكلت.
[33856]:ساقط من ق.
[33857]:ق: السموا.
[33858]:ق: محرومة.
[33859]:ساقط من ق.
[33860]:انظر هذا الخبر في: الجامع 9/100، وهو من الإسرائيليات.