الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (18)

وقوله سبحانه : { وَجَاءُو على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [ يوسف : 18 ] .

روي أنهم أَخَذُوا سَخْلَةً أَوْ جَدْياً ، فذبحوه ، ولَطَّخُوا به قميصَ يُوسُفَ ، وقالوا ليعقوب : هذا قميصه ، فأخذه وبكَى ثم تأمَّله ، فلم يَرَ خِرَقاً ، ولا أثر نابٍ ؛ فاستدل بذلك على كذبهم ، وقال لهم : كان الذئْبُ حليماً يأكُلُ يوسُفَ ، ولا يخرق قميصَهُ ؛ قصَّ هذا القَصَصَ ابن عباس وغيره ، وأجمعوا على أنه استدل على كذبهم بصحَّة القميصِ ، واستند الفقهاءُ إِلى هذا في إِعْمَالِ الأماراتِ في مسائِل ؛ كالقَسَامة بها في قول مالكٍ إِلى غير ذلك . قال الشعبيُّ : كان في القميصِ ثلاثُ آيات : دلالتُهُ على كذبهم ، وشهادَتُهُ في قَدِّه ، ورَدُّ بَصَرِ يَعقُوبَ به ، ووصف الدَّم بالكَذِبِ الَّذي هو مَصْدَرٌ على جهة المبالغةِ ، ثم قال لهم يعقوب : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ } ، أي : رَضيَتْ وجَعَلَتْ سؤلاً ومراداً { أمْراً } ، أي : صنعاً قبيحاً بيوسف .

وقوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } : إِما على حذف المبتدأ ، أي : فشأني صبرٌ جميلٌ ، وإِما على حَذْفِ الخبر ، تقديره : فصبرٌ جميلٌ أَمْثَلُ ، وجميلُ الصَّبْرِ : أَلاَّ تقع شَكْوَى إِلى البشر ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ بَثَّ ، لَمْ يَصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ) . وقوله : { والله المستعان على مَا تَصِفُونَ } : تسليم لأمر اللَّه تعالى ، وتوكُّل عليه .