معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القلم :

مكية وآياتها ثنتان وخمسون .

{ ن } اختلفوا فيه فقال ابن عباس : هو الحوت . الذي على ظهره الأرض . وهو قول مجاهد ومقاتل ، والسدي ، والكلبي . وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض ، فأنبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر على الأرض ، ثم قرأ ابن عباس : { ن والقلم وما يسطرون } واختلفوا في اسمه ، فقال الكلبي ومقاتل : بهموت . وقال الواقدي : ليوثا . وقال كعب : لويثا . وعن علي : اسمه بلهوث . وقالت الرواة : لما خلق الله الأرض وفتقها ، بعث من تحت العرش ملكاً فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتقه ، إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب ، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع ، حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار ، فأهبط الله عز وجل من الفردوس ثوراً له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تستقر قدماه فأخذ ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس ، غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه ، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ، ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفساً فإذا تنفس مد البحر وأزبد ، وإذا رد نفسه جزر ، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار ، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها ، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه { فتكن في صخرة }( لقمان- 16 ) ولم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله نوناً وهو الحوت العظيم ، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال ، والحوت على البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة . يقال : فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان ، قال لها الجبار : كوني فكانت . قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه ، فقال له : أتدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والدواب والشجر والجبال ، لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك ، فهم لويثا أن يفعل ذلك ، فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه ، فعج الحوت إلى الله منها ، فأذن لها الله فخرجت . قال كعب : فوالذي نفسي بيده ، إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت إلى ذلك كما كانت . وقال بعضهم : نون آخر حروف الرحمن ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس . وقال الحسن وقتادة والضحاك : النون الدواة . وقيل : هو قسم أقسم الله به . وقيل : فاتحة السورة . وقال عطاء : افتتاح اسمه نور ، وقال محمد بن كعب : أقسم الله بنصرته للمؤمنين . { والقلم } هو الذي كتب الله به الذكر ، وهو قلم من نور ، طوله ما بين السماء والأرض ، ويقال : أول ما خلق الله القلم ، ونظر إليه فانشق نصفين ، ثم قال : اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك . { وما يسطرون } يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة ن وهي مكية .

{ 1 - 7 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }

يقسم تعالى بالقلم ، وهو اسم جنس شامل للأقلام ، التي تكتب بها [ أنواع ] العلوم ، ويسطر بها المنثور والمنظور .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القلم مكية وآيها ثنتان وخمسون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم ( ن ) من أسماء الحروف وقيل اسم الحوت ، والمراد به الجنس أو البهموت ، وهو الذي عليه الأرض . أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سوادا من النفس يكتب به ، ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف . ( والقلم ) وهو الذي خط اللوح ، أو الذي يخط به ، أقسم به تعالى لكثرة فوائده . وأخفى ابن عامر والكسائي ويعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل ، فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها ، وقد روي ذلك عن نافع وعاصم وقرئت بالفتح والكسر كص . ( وما يسطرون ) وما يكتبون والضمير ل القلم بالمعنى الأول على التعظيم ، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس ، وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم أو لأصحابه أو للحفظة ، و ما مصدرية أو موصولة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية ولا خلاف فيها بين أحد من أهل التأويل{[1]} .

قوله عز وجل :

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( 1 )

{ ن } حرف مقطع في قول الجمهور من المفسرين ، فيدخله من الخلاف ما يدخل أوائل السور ، ويختص هذا الموضع من الأقوال بأن قال مجاهد وابن عباس : نون ، اسم الحوت الأعظم الذي عليه الأرضون السبع فيما يروى . وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك : النون اسم للدواة ، فهذا إما أن يكون لغة لبعض العرب ، أو تكون لفظة أعجمية عربت ، قال الشاعر : [ الوافر ]

إذا ما الشوق برح بي إليهم . . . ألقت النون بالدمع السجوم{[11227]}

فمن قال إنه اسم الحوت جعل { القلم } الذي خلقه الله تعالى وأمره فكتب الكائنات وجعل الضمير في { يسطرون } للملائكة ، ومن قال بأن «نون » اسم للدواة ، جعل { القلم } هذا المتعارف بأيدي الناس . نص ذلك ابن عباس وجعل الضمير في { يسطرون } للناس ، فجاء القسم على هذا بمجموع أم الكتاب الذي هو قوام للعلوم والمعارف وأمور الدنيا والآخرة ، فإن القلم أخ اللسان ، ومطية الفطنة ، ونعمة من الله عامة . وروى معاوية بن قرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ن } لوح من نور{[11228]} ، وقال ابن عباس وغيره : هو حرف من حروف الرحمن ، وقالوا إنه تقطع في القرآن : { الر } [ يونس : 1 ، هود : 1 ، يوسف : 1 ، إبراهيم : 1 ، الحجر : 1 ] و { حم } [ غافر : 1 ، فصلت : 1 ، الشورى : 1 ، الزخرف : 1 ، الدخان : 1 ، الجاثية : 1 ، الأحقاف : 1 ] ، و { ن } ، وقرأ عيسى بن عمر بخلاف «نونَ » بالنصب ، والمعنى : اذكر نونَ ، وهذا يقوى مع أن يكون اسماً للسورة ، فهو مؤنث سمي به مؤنث ، ففيه تأنيث وتعريف ، ولذلك لم ينصرف ، وانصرف نوح ، لأن الخفة بكونه على ثلاثة أحرف غلبت على العجمة ، وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق والحسن : «نونِ » بكسر النون ، وهذا كما تقول في القسم بالله ، وكما تقول : «جبر »{[11229]} وقيل كسرت لاجتماع الساكنين ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم : «نونْ » بسكون النون ، وهذا على أنه حرف منفصل فحقه الوقوف عليه ، وقرأ قوم ، منهم الكسائي : { ن والقلم } بالإدغام دون غنة ، وقرأ آخرون بالإدغام وبغنة ، وقرأ الكسائي ويعقوب عن نافع وأبو بكر عن عاصم بالإخفاء بين الإدغام والإظهار . و { يسطرون } معناه : يكتبون سطوراً ، فإن أراد الملائكة فهو كتب الأعمال وما يؤمرون به ، وإن أراد بني آدم ، فهي الكتب المنزلة والعلوم وما جرى مجراها .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11227]:الدمع السجوم: السائل المنصب من العين قليلا كان أو كثيرا. (اللسان).
[11228]:أخرجه ابن جرير ، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ن والقلم وما يسطرون} قال: لوح من نور، وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة). (الدر المنثور) و (تفسير الطبري).
[11229]:جير بمعنى اليمين، يقال: جير لا أفعل كذا وكذا، قال الجوهري: "قولهم جير لا آتيك- بكسر الراء- يمين للعرب، ومعناها حقا" راجع الصحاح واللسان.