مقدمة السورة:بسم الله الرحمن الرحيم
سورة نون والقلم{[1]} مكية{[2]}
- قوله تعلى : ( [ ن ] {[69486]} والقلم وما يسطرون ) إلى قوله : ( مشاء بنميم )[ الآيات1-11 ] .
قال ابن عباس : " ن {[69487]} هو الحوت . قال : أول ما خلق الله جل ذكره القلم فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار {[69488]} الماء فخلقت منه السموات ، ثم خلق الحوت ، فبسط الأرض على ظهر النون ، فتحركت النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر بالأرض وهو قول مجاهد {[69489]} .
وقال أبو هريرة : الأرضون على نون ، ونون على الماء ، والماء على الصخرة ، والصخرة لها أربعة أركان ، على كل ركن منها ملك قائم في الماء {[69490]} .
وعن ابن عباس أيضا من رواية عكرمة عنه : ( ( " ن " {[69491]} حرف من حروف الرحمن {[69492]} . وروى معاوية بن قرة {[69493]} عن أبيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن نون لوح من نور ) ) {[69494]} .
وروى ثابت البناني {[69495]} عن ابن عباس أيضا أن نون : الدواة والقلم : هو القلم المعروف . قال : خلق الله النون {[69496]}- وهي الدواة- وخلق القلم فقال : اكتب ، قال : ما {[69497]} أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فجور ، ورزق مقسوم حلال أو حرام ، قال : ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه/ دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كيف ، ثم جعل على العباد حفظة ، وجعل للكتاب خزانا ، والحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم . يريد : قبل أن يعمله العبد ، [ فيعمل العبد ] {[69498]} في ذلك اليوم على مال[ نسخته ] {[69499]} الحفظة من عند الخزان لا يزيد ولا ينقص . هذا التفسير ليس من كلام ابن عباس ، وهو معنى قوله {[69500]} " وقد تقدم نحوه في " الجاثية " {[69501]} .
قال ابن عباس : فإذا فني الرزق وانقطع {[69502]} الأمر[ وانقضى ] {[69503]} الأجل ، أتت الحفظة الخزنة فيطلبون {[69504]} عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا ، فيرجع الحفظة فيجدونه قد مات . ثم قال ابن عباس : ألستم قوما عربا {[69505]} تستمعون {[69506]} الحفظة ؟ ! يقولونك ( إنا كن نستنسخ ما كنتم تعملون ) {[69507]} . وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟ ! .
وروى معمر عن الحسن وقتادة أن نون هو الدواة {[69508]} .
وروى ابن جبير عن قتادة( [ ن ] {[69509]} و القلم ) : قسم ، ( قال ) {[69510]} : يقسم ربنا بما شاء ، وهو قو ابن زيد {[69511]} .
وقيل : هو اسم من أسماء السورة {[69512]} .
وقيل {[69513]} : هو تنبيه {[69514]} .
وقيل : التقدير : ورب نون {[69515]} . والقلم هو المعروف ، لكن أقسم ربنا بالقلم الذي جرى بأمره[ بما ] {[69516]} هو كائن إلى يوم القيامة {[69517]} .
وقال زياد بن الصلق {[69518]} لابنه لما حضرته الوفاة : أي بني ، اتق الله ، واعلم أنك لم تتق الله ولم تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره[ حلوه ومره ] {[69519]} ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول ما خلق الله عز وجل : القلم ، فقال له : اكتب ، فقال : وما أكتب يا رب ؟ قال {[69520]} : اكتب القدر . قال : فجرى القلم في تلك الساعة بما كان ( وبما {[69521]} هو [ كائن ] {[69522]} ) {[69523]} إلى الأبد " {[69524]} .
وروى {[69525]} ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : إن مما خلق الله لوحا من لؤلؤة {[69526]} [ أو درة ] {[69527]} بيضاء دفتاه من [ ياقوتة ] {[69528]} حمراء ، قلمه وكتابه نور {[69529]} ينظر فيه ستين وثلاث {[69530]} مائة نظرة ، في كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء {[69531]} .
وقوله : ( وما يسطرون )[ 1 ]
معناه : والذي يخطون ، يعني : يكتبون ، كأنه تعالى أقسم بأفعال الخلق هذا على أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، فإن جعلتها والفعل مصدرا {[69532]} كان القسم بالكتاب {[69533]} .
وقال قتادة : ( وما يسطرون ) : يخطون {[69534]} .
وقال ابن عباس : يكتبون ، وكذلك قال مجاهد {[69535]} .
وقيل المعنى : وما تكتب الحفظة من أعمال بني آدم {[69536]} .
وروى أحمد بن صالح {[69537]} عن ورش {[69538]} : [ يصطرون ] {[69539]} بالصاد لأجل[ الطاء ] {[69540]} ، والأصل ( السين ) {[69541]} .
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[69489]:- انظر جامع البيان 29/14 وزاد المسير 8/327 وحكاه أيضا عن السدي وابن السائب والكلبي.
[69490]:-إعراب النحاس 5/3.
( المدقق): عزا النحاس هذا القول للحكم بن ظُهير عن أبيه عن أبي هريرة. إلا أن هذا الحكم ضعيف جدا, قال فيه النسائي: متروك الحديث, وفي رواية عن ابن معين أنه كذاب. يراجع ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 2/208 ترجمة 395. ولذلك فإن الرواية المنسوبة لأبي هريرة لا تصح.
[69492]:- انظر جامع البيان 29/14, والمعالم 7/129, وهي أيضا رواية الضحاك عن ابن عباس في تفسير الماوردي 4/277.
[69493]:- هو معاوية بن قرة بن إياس البصري, وثقه غير واحد, روى عن أبيه وأنس بن مالك, وعنه شعبة بن الحجاج. ت, 113.انظر طبقات ابن الخياط 207, وصفة الصفوة3/257, وتهذيب التهذيب10/216-217, وطبقات الحفاظ83.
[69494]:-أخرجه الطبري في جامع البيان 29/14 وتمامه:(( .... يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة)).. وقد ذكر ابن كثير هذه الرواية عن الطبري إلا أنه زاد فيها:(( وقلم من نور يجري...)) انظر تفسير ابن كثير4/28 قال:(( وهذا مرسل غريب)) والذي في زاد المسير 8/327 أنه قول معاوية بن قرة.
[69495]:- هو ثابت البناني بن أسلم أبو محمد البصري, روى عن أنس وعبد الله بن الزبير. وأبي برزة الأسلمي وغيرهم, وعنه حماد بن سلمة وشعبة. وكان محدثا أمينا. ت127هـ. انظر: طبقات ابن خياط 214, وصفة الصفوة3/260, وتذكرة الحفاظ 1/125, والغاية لابن الجزري 1/188.
[69500]:- أخرجه الطبري في جامع البيان 29/15 عن ابن عباس, ولا يختلف عما نقله مكي إلا يسيرا, وما عزاه إليه مكي في يأتي هو تمام قوله الأول.
[69501]:- انظر: الجزء الذي حققه الأستاذ رياح 2/610.
[69508]:- انظر جامع البيان 29/15, والمعالم 7/129, وعزاه أيضا إلى الضحاك.
[69512]:- صححت في م, إلى الواو لتصبح من قوله:" وقيل" الذي أتى بعدها. وفي ث, أ: السور.
والتصويب من جامع البيان 29/16. وحكاه الماوردي في تفسيره 4/277 وقال: إنه مأثور. وكذا هو عند البغوي في المعالم 7/129, والقرطبي في تفسيره 18/224.
[69518]:- كذا في م: وفي أ ث: زياد بن الصلة. ولم أجده في ما اطلعت عليه من تراجم الصحابة. كما أن الحديث الذي عزاه إليه مكي إنما وجدته من رواية عبادة بن الصامت كما سيتبين في لتخريج, ولعل زياد بن الصلت محرفة عن زياد بن السكن, وهو صحابي جليل استشهد هو وابنه عمارة في أحد. غير أن القصة التي ذكروا في استشهاد زياد حيث مات متوسدا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعيدة عن مشهد حضور الوفاة العادي الذي يدل عليه السياق عند مكي. انظر: أسد الغابة 2/118-119, والإصابة9/19, والاستبصار217.
[69524]:- الحديث إنما وجدته من رواية عبادة بن الصامت فيما يوصي به ابنه الوليد, وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنة, باب في القدر, ح: 4700, والترمذي في القدر ح: 2156, وقال:حسن صحيح.. والإمام أحمد في المسند5/317. ولفظ الترمذي أقرب إلى ما أورده مكي, وفي لفظ أبي داود:" يا بني, إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم..." . وقد أخرجه أيضا أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه عن عبادة بن الصامت. انظر فتح القدير 5/269.
وعبادة بن الصامت هو أبو الوليد, شهد العقبات وبدرا والمشاهد كلها, وكان أول من ولي قضاء فلسطين, وكان من النقباء, روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين ( ت: 34هـ) في بيت المقدس. انظر: المحبر 270 والاستبصار 188-190, وتهذيب السماء1/256-257.
[69531]:-( المدقق) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/516 عن طريق أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه, وقال فيه:" صحيح الإسناد, ولم يخرجاه"
وأخرجه ثانية من ذات الطريق, وقال فيه:" هذا حديث صحيح الإسناد, فإن أبا حمزة الثملي لم ينقم عليه على الغلو في مذهبه فقط"2/565ح 3917.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير10/260 من طريق بُكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقد عزاه الهيثمي للطبراي وأنه رواه من طريقين, وقال: ورجال هذه ثقات. مجمع الزوائد 7/191.
[69533]:- انظر جامع البيان 29/17, وإعراب النحاس5/5.
[69535]:- انظر المصدر السابق 29/17-18, والدر 8/242, وفيهما أنه قول قتادة أيضا. وهو قول أبي عبيدة في مجازه2/264 وابن قتيبة في الغريب, ص: 477.
[69536]:- هو قول ابن عباس في تفسير القرطبي 18/225, وقول مقاتل في زاد المسير 8/428, وقاله الزجاج في معانيه 5/203.
[69537]:- هو أحمد بن صالح المصري أبو جعفر: مقرئ عالم بالحديث وعلله حافظ ثقة, اجتمع بالإمام أحمد بن حنبل, وأخذ كلاهما عن الآخر, وروى عن عفان بن سلم, وعنه البخاري وأبو داود. انظر: الغاية لابن الجزري1/62, وطبقات الحفاظ: 216هـ.
[69538]:- هو عثمان بن سعيد القبطي المطري أبو سعيد, من كبار القراء وإمام القراء في زمانه في مصر, عرض القرآن على نافع عدة ختمات, وكان حسن الصوت بالقرآن. ت: 197هـ
انظر الغاية لابن الجزري:1/501.