لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي اثنان وخمسون آية وثلاثمائة كلمة وألف ومائتان وستة وخمسون حرفا .

قوله عز وجل : { ن } قال ابن عباس هو الحوت الذي على ظهره الأرض وعنه «إن أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره ، فتحرك النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال لتفخر على الأرض ، ثم قرأ { نَ والقلم وما يسطرون } . قيل اسم النون بهموت وقيل لوثيا وعن علي بلهوث .

قال أصحاب السير والأخبار : لما خلق الله الأرض وفتقها سبع أرضين ، بعث من تحت العرش ملكاً فهبط إلى الأرض حتى دخلت تحت الأرضين السبع وضبطها ، فلم يكن لقدميه موضع قرار ، فأهبط الله تعالى من الفردوس ثوراً له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، وجعل قرار قدم الملك على سنامه فلم تستقر قدمه ، فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة الفردوس ، غلظها مسيرة خمسمائة سنة ، فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه ، فاستقر عليها قدما الملك ، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ، ومنخراه في البحر ، فهو يتنفس كل يوم نفساً ، فإذا تنفس مد البحر ، وإذا رد نفسه جزر البحر . فلم يكن لقوائم الثور قرار ، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سموات وسبع أرضين ، فاستقرت قوائم الثور عليها ، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه فتكن في صخرة ، فلم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله تعالى نوناً وهو الحوت العظيم ، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال ، والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة ، قيل فكل الدنيا بما عليها حرفان ، قال لها الجبار سبحانه وتعالى وتنزه وتقدس كوني فكانت .

قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهر الأرض فوسوس إليه ، فقال له أتدري ما على ظهرك يا ليوثا من الأمم والدواب والشجر والجبال ، لو نفضتهم لألقيتهم على ظهرك ، فهم ليوثا أن يفعل ذلك فبعث له دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه ، فعج الحوت إلى الله تعالى منها ، فأذن لها فخرجت . قال كعب الأحبار : فوالذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه ، إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت . وعن ابن عباس أيضاً أن النون هو الدواة ومنه قول الشاعر :

إذا ما الشوق برح بي إليهم *** ألقت النون بالدمع السجام

أراد بالنون الدواة ، وعن ابن عباس أيضاً أن نوناً حرف من حروف الرحمن إذا جمعت الرحمن . وقيل هو مفتاح اسمه ناصر ونصير ، وقيل اسم للسورة . { والقلم } هو القلم الذي كتب الله به الذكر ، وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ، ويقال أول ما خلق الله القلم فنظر إليه فانشق نصفين ، ثم قال اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك ، وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه . { وما يسطرون } أي وما يكتب الحفظة من أعمال بني آدم ، وقيل إن حملنا القلم على ذلك القلم المعين ، فيحتمل أن يكون المراد وما يسطرون فيه ، وهو اللوح المحفوظ ، ويكون الجمع في وما يسطرون للتعظيم لا للجمع .