قوله عز وجل : { ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ } ، { ن } حَرْفٌ مقطع في قول الجمهور ، فيدخُلُه من الاخْتِلاَفِ ما يَدْخُلُ أوائِلَ السُّورِ ، ويختصُّ هذَا الموضعُ مِنَ الأقوال ، بأنْ قَالَ مُجاهِدٌ وابن عباس : { ن } اسْمُ الحوتِ الأعْظَمِ الَّذِي عَلَيْه الأَرضُونَ السَّبْعُ فِيما يُرْوَى ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره : { ن } اسمُ الدَّوَاةِ ، فَمَنْ قَال بأنه اسْمُ الحوتِ جَعَلَ القَلَمَ ، القَلَمَ الذي خلقَه اللَّهُ وأمَرَهُ بِكَتْبِ الكائناتِ ، وجَعَلَ الضميرَ في { يَسْطُرُونَ } للملائِكَةِ ، ومَنْ قَال بأنَّ { ن } اسْمٌ للدَّوَاةِ جَعَلَ القَلم هَذَا القلمَ المتعارفَ بأيْدِي الناسِ ؛ نَصَّ على ذَلِكَ ابنُ عَبّاسٍ وَجَعَل الضميرَ في { يَسْطُرُونَ } للنَّاسِ ، فَجَاء القَسَمُ على هذا بمجموع أمْرِ الكِتَابِ الذي هو قِوَامٌ للعلومِ والمعَارِفِ ، وأمورِ الدنيا ، والآخِرَةِ ، فَإنَّ القَلَمَ أخُو اللسانِ ، وعَضُدُ الإنْسَانِ ، ومَطِيَّةُ الفِطْنَةِ ، ونِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَامَّة ، ورَوَى معاويةُ بن قرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { ن } لَوحٌ من نُورٍ " . وقالَ ابنُ عباسٍ أيضاً وغيره : { ن } هو حَرْفٌ من حروفِ الرحمن ، وقالوا إنَّه تَقَطَّع في القرآن { الر } و{ حم } و{ ن } ، و{ يَسْطُرُونَ } : معناه : يكْتُبُونَ سُطُوراً ، فإنْ أرَادَ الملائكةَ فهُوَ كَتْبُ الأَعْمَالِ وَمَا يؤْمَرُون به ، وإنْ أرادَ بني آدم ؛ فهي الكُتُبُ المنزلةُ والعلوم وما جَرَى مَجْرَاهَا ، قال ابن العربي في «أحكامه » : رَوَى الوليدُ بن مُسْلِمٍ عَنْ مالكٍ عَنْ سُمَيٍّ مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ : " أوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ ، ثُمَّ خَلَق النّونَ ، وهي الدوَّاةُ ، وذَلِكَ قَوْلُه : { ن والقلم } ثم قَالَ لَهُ : اكتب ؛ قَالَ : وَمَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : مَا كَانَ وَمَا هُو كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، قال : ثُمَّ خَتَمَ العَمَلَ ، فَلَمْ يَنْطِقْ وَلاَ يَنْطِقُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ، ثُمَّ خَلَقَ العَقْلَ ، فَقَالَ الجَبَّارُ : مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أعْجَبَ إليَّ مِنْكَ ، وعِزَّتِي لأكَمِّلَنَّكَ فِيمَنْ أَحْبَبْتُ ، وَلأَنْقُصَنَّكَ فِيمَنْ أَبْغَضْتُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وأعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ " انتهى . ( ت ) : وهذا الحديثُ هُوَ الذي يُعَوَّلُ عليهِ في تفسير الآيةِ ، لصحته ، واللَّه سبحانه أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.