الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها 52 .

قوله عز وجل : { ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ } ، { ن } حَرْفٌ مقطع في قول الجمهور ، فيدخُلُه من الاخْتِلاَفِ ما يَدْخُلُ أوائِلَ السُّورِ ، ويختصُّ هذَا الموضعُ مِنَ الأقوال ، بأنْ قَالَ مُجاهِدٌ وابن عباس : { ن } اسْمُ الحوتِ الأعْظَمِ الَّذِي عَلَيْه الأَرضُونَ السَّبْعُ فِيما يُرْوَى ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره : { ن } اسمُ الدَّوَاةِ ، فَمَنْ قَال بأنه اسْمُ الحوتِ جَعَلَ القَلَمَ ، القَلَمَ الذي خلقَه اللَّهُ وأمَرَهُ بِكَتْبِ الكائناتِ ، وجَعَلَ الضميرَ في { يَسْطُرُونَ } للملائِكَةِ ، ومَنْ قَال بأنَّ { ن } اسْمٌ للدَّوَاةِ جَعَلَ القَلم هَذَا القلمَ المتعارفَ بأيْدِي الناسِ ؛ نَصَّ على ذَلِكَ ابنُ عَبّاسٍ وَجَعَل الضميرَ في { يَسْطُرُونَ } للنَّاسِ ، فَجَاء القَسَمُ على هذا بمجموع أمْرِ الكِتَابِ الذي هو قِوَامٌ للعلومِ والمعَارِفِ ، وأمورِ الدنيا ، والآخِرَةِ ، فَإنَّ القَلَمَ أخُو اللسانِ ، وعَضُدُ الإنْسَانِ ، ومَطِيَّةُ الفِطْنَةِ ، ونِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَامَّة ، ورَوَى معاويةُ بن قرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { ن } لَوحٌ من نُورٍ " . وقالَ ابنُ عباسٍ أيضاً وغيره : { ن } هو حَرْفٌ من حروفِ الرحمن ، وقالوا إنَّه تَقَطَّع في القرآن { الر } و{ حم } و{ ن } ، و{ يَسْطُرُونَ } : معناه : يكْتُبُونَ سُطُوراً ، فإنْ أرَادَ الملائكةَ فهُوَ كَتْبُ الأَعْمَالِ وَمَا يؤْمَرُون به ، وإنْ أرادَ بني آدم ؛ فهي الكُتُبُ المنزلةُ والعلوم وما جَرَى مَجْرَاهَا ، قال ابن العربي في «أحكامه » : رَوَى الوليدُ بن مُسْلِمٍ عَنْ مالكٍ عَنْ سُمَيٍّ مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ : " أوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ القَلَمَ ، ثُمَّ خَلَق النّونَ ، وهي الدوَّاةُ ، وذَلِكَ قَوْلُه : { ن والقلم } ثم قَالَ لَهُ : اكتب ؛ قَالَ : وَمَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : مَا كَانَ وَمَا هُو كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، قال : ثُمَّ خَتَمَ العَمَلَ ، فَلَمْ يَنْطِقْ وَلاَ يَنْطِقُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ، ثُمَّ خَلَقَ العَقْلَ ، فَقَالَ الجَبَّارُ : مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أعْجَبَ إليَّ مِنْكَ ، وعِزَّتِي لأكَمِّلَنَّكَ فِيمَنْ أَحْبَبْتُ ، وَلأَنْقُصَنَّكَ فِيمَنْ أَبْغَضْتُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ وأعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ " انتهى . ( ت ) : وهذا الحديثُ هُوَ الذي يُعَوَّلُ عليهِ في تفسير الآيةِ ، لصحته ، واللَّه سبحانه أعلم .