وتسمى سورة القلم اثنتان وخمسون آية ، وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وعن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله : { أكبر لو كانوا يعلمون } مدني ، ومن بعد ذلك إلى قوله : { فهم يكتبون } مكي ، ومن بعد ذلك إلى قوله : { فهم يكتبون } مكي ، ومن بعد ذلك إلى قوله : { من الصالحين } مدني ، وباقيها مكي ، كذا قال الماوردي ، وعن ابن عباس قال كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ، ثم يزيد الله فيها ما شاء ، وكان أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم نون ثم المزمل ثم المدثر . وعنه نزلت نون بمكة وعن عائشة مثله .
{ ن والقلم وما يسطرون ( 1 ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( 2 ) وإن لك لأجرا غير ممنون ( 3 ) وإنك لعلى خلق عظيم ( 4 ) فستبصر ويبصرون ( 5 ) بأييّكم المفتون ( 6 ) }
{ ن } قرئ بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو ، وقرئ بالإظهار وبالفتح على إضمار فعل وبكسرها على إضمار القسم ، أو لأجل التقاء الساكنين ، وبضمها على البناء ؛ عن ابن عباس أنه قال نون : الدواة ، أخرجه ابن المنذر وعبد بن حميد ، وأخرج ابن مردويه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النون السمكة ( {[1608]} ) التي عليها قرار الأرضين " ، وقال مجاهد والسدي ومقاتل : هو الحوت الذي يحمل الأرض ، وبه قال مرة الهمداني ، وعطاء الخراساني والكلبي .
وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن ؛ وقال ابن زيد : هو قسم أقسم الله به ؛ وقال ابن كيسان : هو فاتحة السورة وقال عطاء وأبو العالية : هي النون من نصر وناصر ؛ وقال محمد بن كعب : أقسم الله بنصره المؤمنين ، وقيل اسم للسورة وقيل اسم للقرآن ، وقيل هو حرف من حروف الهجاء كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفتتحة بذلك ، وقد اختاره المحلي حيث قال أحد الحروف الهجاء ؛ وأراد بذلك الرد على من قال أنه مقتطع من اسمه تعالى الرحمن أو النصير أو الناصر أو النور .
وقال النسفي : الظاهر أن المراد به هذا الحرف من حروف المعجم ؛ وأما قول الحسن أنه الدواة وقول ابن عباس أنه الحوت الذي عليه الأرض واسمه بهموت ، فمشكل سواء كان جنس أو اسم علم ، فالسكون دليل على أنه من حروف المعجم انتهى . وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة .
{ والقلم } الواو واو القسم أقسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به في الأرض والسماء ، وقال جماعة من المفسرين ومنهم المحلي المراد به القلم الذي كتب به الكائنات في اللوح المحفوظ ، أقسم الله به تعظيما له ، قال قتادة القلم من نعمة الله على عباده . وعن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد " ( {[1609]} ) أخرجه الترمذي وصححه وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه .
وأخرج ابن جرير من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا نحوه ، وعن ابن عباس قال : " إن الله خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " أخرجه ابن جرير وابن المنذر ، وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ( {[1610]} ) .
وعن ابن عباس أن أول شيء خلقه الله القلم فقال الله له اكتب فقال : يا رب ما أكتب ؟ فقال : اكتب القدر ، فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم طوى الكتاب ورفع القلم . وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات ، ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه ، والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت الجبال ، فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ { نون والقلم وما يسطرون } أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ وغيرهم .
{ وما يسطرون } ما موصولة والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره ، لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب ، والمعنى والذي يكتبون كل ما يكتب أو الحفظة الكاتبون على بني آدم ، قال ابن عباس يسطرون يكتبون ، ويجوز أن تكون ما مصدرية أي وسطرهم ، وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء ، وعن ابن عباس أيضا قال : { وما يسطرون } ما يعلمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.