معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

قوله تعالى : { لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب وأنذرهم يوم الآزفة } ، يعني : يوم القيامة ، سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب ، نظيره قوله عز وجل : { أزفت الآزفة } ( النجم-57 ) ، أي : قربت القيامة . { إذ القلوب لدى الحناجر } ، وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر ، فلا هي تعود إلى أماكنها ، ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا ، { كاظمين } ، مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً ، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به . { ما للظالمين من حميم } ، قريب ينفعهم ، { ولا شفيع يطاع } ، فيشفع فيهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

{ 18 - 20 } { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } أي : يوم القيامة التي قد أزفت وقربت ، وآن الوصول إلى أهوالها وقلاقلها وزلازلها ، { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } أي : قد ارتفعت وبقيت أفئدتهم هواء ، ووصلت القلوب من الروع والكرب إلى الحناجر ، شاخصة أبصارهم . { كَاظِمِينَ } لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وكاظمين على ما في قلوبهم من الروع الشديد والمزعجات الهائلة .

{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي : قريب ولا صاحب ، { وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك ، ولو قدرت شفاعتهم ، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم ، فلا يقبلها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

يوم الآزفة هو : اسم من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لاقترابها ، كما قال تعالى : { أَزِفَتِ الآزِفَةُ . لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } [ النجم : 57 ، 58 ] وقال { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] ، وقال { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الانبياء : 1 ] وقال { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] وقال { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ } [ الملك : 27 ] .

وقوله : { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } [ أي ساكتين ] {[25479]} ، قال قتادة : وقفت القلوب في الحناجر من الخوف ، فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها . وكذا قال عكرمة ، والسدي ، وغير واحد .

ومعنى { كَاظِمِينَ } أي : ساكتين ، لا يتكلم أحد إلا بإذنه { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا } [ النبأ : 38 ] .

وقال ابن جُرَيْج {[25480]} : { كَاظِمِينَ } أي : باكين .

وقوله : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } أي : ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ، ولا شفيع يشفع فيهم ، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير .


[25479]:- (1) زيادة من ت.
[25480]:- (2) في ت: "جرير".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

الأظهر أن يكون قوله : { وأنذِرْهم } وما بعده معترضاً بين جملة { إن الله سريع الحساب } [ غافر : 17 ] وجملة { يَعْلم خائِنة الأعيُن } [ غافر : 19 ] على الوجهين الآتيين في موقع جملة { يعلم خائنة الأعين } ، فالواو اعتراضية ، والمناسبة أن ذكر الحساب به يقتضي التذكير بالاستعداد ليوم الحساب وهو يوم الآزفة .

ويوم الآزفة يوم القيامة . وأصل الآزفة اسم فاعل مؤنث مشتق من فعل أزِف الأمر ، إذا قرب ، فالآزفة صفة لموصوف محذوف تقديره : الساعة الآزفة ، أو القيامة الآزفة ، مثل الصاخّة ، فتكون إضافة { يوم } إلى { الآزفة } ، حقيقية . f وتقدم القول في تعدية الإِنذار إلى ( اليوم ) في قوله : { لتنذر يوم التلاقي } [ غافر : 15 ] .

( و { إذْ } بدل من { يوم } فهو اسم زمان منصوب على المفعول به ، مضاف إلى جملة { القلوب لدى الحناجر } و { أل } في { القُلُوبُ } و { الحناجر } عوض عن المضاف إليه . وأصله : إذْ قلوبهم لدى حناجرهم ، فبواسطة ( أل ) عُوض تعريف الإِضافة بتعريف العهد وهو رَأي نحاة الكوفة ، والبصريون يقدرون : إذ القلوب منهم والحناجر منهم والمعنى : إذ قلوب الذين تنذرهم ، يعني المشركين ، فأمَّا قلوب الصالحين يومئذٍ فمطمئنة .

والقلوب : البضعات الصنوبرية التي تتحرك حركة مستمرة ما دام الجسم حيًّا فتدفع الدم إلى الشرايين التي بها حياة الجسم .

والحناجر : جمع حَنْجَرة بفتح الحاء وفتح الجيم وهي الحُلقوم . ومعنى القلوب لدى الحناجر : أن القلوب يشتدّ اضطراب حركتها من فرط الجزع مما يشاهِده أهلها من بوارق الأهوال حتى تتجاوز القلوبُ مواضعها صاعدة إلى الحناجر كما قال تعالى في ذكر يوم الأحزاب : { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } [ الأحزاب : 10 ] .

وكاظم : اسم فاعل من كظَم كُظُوماً ، إذا احتبسَ نفَسُه ( بفتح الفاء ) . فمعنى { كاظمين } : اكنين لا يستطيعون كلاماً . فعلى هذا التأويل لا يقدَّر ل { كاظمين } مفعول لأنه عومل معاملة الفعل اللازم . ويقال : كَظَم كظماً ، إذا سَدّ شيئاً مجرى ماء أو باباً أو طريقاً فهو كاظم ، فعلى هذا يكون المفعول مقدراً . والتقدير : كاظمينها ، أي كاظمين حناجرهم إشفاقاً من أن تخرج منها قلوبهم من شدة الاضطراب . وانتصب { كاظمين } على الحال من ضمير الغائب في قوله : { أنذرهم } على أن الحال حال مقدرة . ويجوز أن يكون حالاً من القلوب على المجاز العقلي بإسناد الكاظم إلى القلوب وإنما الكاظم أصحاب القلوب كما في قوله تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } [ البقرة : 79 ] وإنما الكاتبون هم بأيديهم .

وجملة { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع } في موضع بدل اشتمال من جملة { القُلُوب لدَى الحناجِر } لأن تلك الحالة تقتضي أن يستشرفوا إلى شفاعة من اتخذوهم ليَشفعوا لهم عند الله فلا يُلفون صديقاً ولا شفيعاً . والحميم : المحب المشفق .

والتعريف في { الظالمين } للاستغراق ليعم كل ظالم ، أي مشرك فيشمل الظالمين المنذَرين ، ومن مضى من أمثالهم فيكون بمنزلة التذييل ولذلك فليس ذكر الظالمين من الإِظهار في مقام الإِضمار .

ووصْفُ : { شفيع } بجملة { يطاع } وصْف كاشف إذ ليس أن المراد لهم شفعاء لا تطاع شفاعتهم لظهور قلة جدوى ذلك ولكن لما كان شأن من يتعرض للشفاعة أن يثق بطاعة المشفوع عنده له . وأُتبع { شفيع } بوصف { يطاع } لتلازمهما عرفاً فهو من إيراد نفي الصفة اللازمةِ للموصوف . والمقصودُ : نفي الموصوف بضرب من الكناية التلميحية كقول ابننِ أحمر :

ولا تَرى الضبَّ بها ينْجَحِرْ {[358]}

أي لا ضبّ فيها فينجحر ، وذلك يفيد مفاد التأكيد .

والمعنى : أن الشفيع إذا لم يُطَع فليس بشفيع . والله لا يجترىء أحد على الشفاعة عنده إلا إذا أذن له فلا يشفع عنده إلا مَن يُطاع .


[358]:- أوله : لا تفزع الأرنب أهوالها يصف مفازة قاحلة لا ضب فيها ولا أرنب.