غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

1

ثم وصف يوم القيامة بأنواع أخر من الصفات الهائلة فقال { وأنذرهم يوم الآزفة } وهي فاعلة من أزف الأمر أزوفاً إذا دنا ، ولا ريب أن القيامة قريبة وإن استبعد الناس مداها لأن كل ما هو كائن فهو قريب . قال جار الله : يجوز أن يريد بيوم الآزفة وقت لحظة الآزفة وهي مشارفتهم دخول النار فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارّها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا . وقال أبو مسلم : يوم الآزفة يوم المنية وحضور الأجل لأنه تعالى ذكر يوم القيامة في قوله { يوم التلاق يوم هم بارزون } فناسب أن يكون هذا اليوم غير ذلك اليوم ، ولأنه تعالى وصف يوم الموت بنحو هذه الصفة في مواضع أخر قال

{ فلولا إذا بلغت الحلقوم } [ الواقعة : 83 ] { كلا إذا بلغت التراقي } [ القيامة : 26 ] ولا ريب أن الرجل عند معاينة أمارات الموت يعظم خوفه ، فلو جعلنا كون القلوب لدى الحناجر كناية عن شدّة الخوف جاز ، ولو حملناه على ظاهره فلا بأس . وقوله { كاظمين } أي مكروبين . والكاظم الساكت حال امتلائه غماً وغيظاً قال عز من قائل

{ والكاظمين الغيظ } [ آل عمران : 134 ] وانتصابه على أنه حال عن أصحاب القلوب كأنه قيل : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها ، أو عن القلوب . وجمع جمع السلامة بناء على أن الكظم من أفعال العقلاء كقوله

{ فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 4 ] أو عن ضمير المفعول في { وأنذرهم } أي وأنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم فيكون حالاً مقدّرة . وفي قوله { ما للظالمين من حميم ولا شفيع } بحث بين الأشاعرة والمعتزلة حيث حمله الأوّلون على أهل الشرك ، والآخرون على معنى أعم حتى يشمل أصحاب الكبائر . وقد مرّ مراراً ولاسيما في قوله { وما للظالمين من أنصار } [ آل عمران : 192 ] ومعنى قوله { يطاع } يجاب أي لا شفاعة ولا إجابة كقوله :

ولا ترى الضب بها ينجحر ***

وذلك أنه لا يشفع أحد في ذلك اليوم إلا بإذن الله ، فإن أذن له أجيب وإلا فلا يوجد شيء من الأمرين . والفائدة في ذكر هذه الصفة أن يعلم أن الغرض من الشفيع منتفٍ في حقهم وإن فرض شفيع على ما يزعم أهل الشرك من أن الأصنام يشفعون لهم .

/خ22