إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزفة } أي القيامةِ سميتْ بَها لأُزوفِهَا وهُو القربُ غيرَ أنَّ فيهِ إشعاراً بضيقِ الوقتِ وقيلَ الخطةُ الآزفةُ وهي مشارفةُ أهلِ النارِ دخولَها وقيل : وقتَ حضورِ الموتِ كما في قولِه تعالَى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم } [ سورة الواقعة ، الآية83 ] وقولِه : { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي } [ سورة القيامة ، الآية26 ] وقولُه تعالَى : { إِذِ القلوب لَدَى الحناجر } بدلٌ منْ يومَ الآزفةِ فإنَّها ترتفعُ من أماكِنها فتلتصقُ بحلوقِهم فلا تعودُ فيتروّحوا ولا تخرجُ فيستريحوا بالموتِ { كاظمين } عَلى الغَمِّ حالٌ منْ أصحابِ القلوبِ عَلى المَعْنى إِذِ الأصلُ قلوُبُهم أوْ مِنْ ضميرِهَا في الظرفِ وجمعُ السلامةِ باعتبارِ أنَّ الكظَم منْ أحوالِ العُقلاءِ كقولِه تعالَى : { فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين } [ سورة الشعراء ، الآية4 ] أوْ منْ مفعولِ أنذرْهم عَلى أنَّها حالٌ مقدرةٌ أيْ أنذرهُم مقدراً كظمَهُم أوْ مشارفينَ الكظمَ .

{ مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ } أَيْ قريبٍ مشفقٍ { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } أيْ لاَ شفيعَ مُشفَّعٌ على مَعْنى نفِي الشفاعةِ والطاعةِ معاً على طريقةِ قولِه : [ الطويل ]

على لاحبٍ لا يُهتدى بمنارِ{[703]} *** [ إذا سافه العوذ الديافي جرجرا ]

والضمائرُ إنْ عادتْ إلى الكُفارِ وهو الظاهرُ فوضعُ الظالمينَ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهم بالظلمِ وتعليلِ الحكمِ بهِ


[703]:وهو لامرئ القيس في ديوانه (ص66)، ولسان العرب (ديف)، (سوف)، (لحف)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة (2/318).