فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ثم أمر الله سبحانه رسوله : بإنذار عباده ، فقال : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة } أي يوم القيامة سميت بذلك لقربها ، يقال : أزف فلان ، أي : قرب يأزف أزفاً ، ومنه قول النابغة :

أزف الترحل غير أن ركابنا *** لما تزل بركابنا وكأن قد

ومنه قوله تعالى : { أَزِفَتِ الآزفة } [ النجم : 57 ] أي قربت الساعة . وقيل : إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت ، والأوّل أولى . قال الزجاج : وقيل لها آزفة ؛ لأنها قريبة ، وإن استبعد الناس أمرها ، وما هو كائن ، فهو قريب { إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كاظمين } وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله : { وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر } [ الأحزاب : 10 ] . { كاظمين } مغمومين مكروبين ممتلئين غمًّا . قال الزجاج : المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم . قال قتادة : وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة ، فهي لا تخرج ، ولا تعود في أمكنتها . وقيل : هو إخبار عن نهاية الجزع ، وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب ، لأن المعنى : إذ قلوب الناس لدى حناجرهم ، فيكون حالاً منهم . وقيل : حالاً من القلوب ، وجمع الحال منها جمع العقلاء ؛ لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء فجمعت جمعه . ثم بين سبحانه : أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد ، فقال : { مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ } أي قريب ينفعهم { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } في شفاعته لهم ، ومحل { يطاع } الجر على أنه صفة ل{ شفيع } .

/خ20