فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ثم أمر سبحانه رسول بإنذار عباده فقال :

{ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ } أي يوم القيامة ، سميت بذلك لقربها ، يقال : أزف فلان أو الرحيل أي قرب ، يأزف أزفا من باب تعب ، وأزوفا دنا وقرب ، ومنه قوله تعالى { أزفت الآزفة } أي قربت الساعة ودنت القيامة ، وقيل : إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت ، والأول أولى . قال الزجاج : وقيل لها الآزفة لأنها قريبة ، وإن استبعد الناس أمرها ، وما هو كائن فهو قريب .

{ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ } وذلك أنها تزول عن مواضعها ، وترتفع عن أماكنها من الخوف ، حتى تصير إلى الحنجرة وتلتصق بحلوقهم ، فلا تعود فيستريحوا بالنفس ولا تخرج فيستريحوا بالموت كقوله { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } وهي جمع حنجور كحلقوم وزنا ومعنى ، أو جمع حنجرة وهي الحلقوم و { كَاظِمِينَ } بمعنى مغمومين مكروبين ممتلئين غما ، قال الزجاج : المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم ، قال قتادة وقعت قلوبهم في الحناجر من المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها .

وقيل : هو إخبار عن نهاية الجزع ، وإنما قال : كاظمين باعتبار أهل القلوب ، لأن المعنى إذ قلوب الناس لدى حناجرهم ، فيكون حالا منهم . وقيل : حالا من القلوب ، وجمع الحال منها جمع العقلاء ، لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء ، فجمعت جمعه .

ثم بين سبحانه أن لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد فقال :

{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي قريب ومحب ينفعهم وحميمك قريبك الذي تهتم لأمره { وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } في شفاعته لهم ، قال الكرخي : حقيقة الإطاعة لا تتأتى هنا لأن المطاع يكون فوق المطيع رتبة ، فمقتضاه أن الشافع يكون فوق المشفوع عنده ، وهذا محال هنا لأن الله تعالى لا شيء فوقه ، فحينئذ هو مجاز ، ومعناه ولا شفيع يشفع ، أي يؤذن له في الشفاعة ، أو تقبل شفاعته . وقال المحلي : لا مفهوم للوصف إذ لا شفيع لهم أصلا ، أي لا مطاع ولا غيره