السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ} (18)

ثم نبه تعالى بقوله سبحانه : { وأنذرهم يوم الآزفة } أي : القيامة على أن يوم القيامة قريب ، ونظيره قوله تعالى : { اقتربت الساعة } ( القمر : 1 ) قال الزجاج : إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها لأن ما هو كائن قريب ، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر كقوله تعالى في صفة القيامة : { أزفت الآزفة } ( النجم : 57 ) أي : قربت قال النابغة :

أزف الترحل غير أن ركابنا *** لما تزل برحالنا وكأن وقد

وقال كعب بن زهير :

بان الشباب وهذا الشيب قد أزفا *** ولا أرى لشباب بائن خلفا

تنبيه : الآزفة : نعت لمحذوف مؤنث كيوم القيامة الآزفة أو يوم المجازاة الآزفة .

قال القفال : وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة لأنها مرجع معناها على الداهية ، ويوم القيامة له أسماء كثيرة تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله ، منها يوم البعث وهو ظاهر ومنها يوم التلاق لما مر ومنها يوم التغابن لغبن أكثر من فيه وخسرانه ، وقيل : المراد بيوم الآزفة مشارفتهم دخول النار فإن عند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارها من شدة الخوف ، وقال أبو مسلم : هو يوم حضور الأجل فإن يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب .

ولما ذكر تعالى اليوم هوَّل أمره بما يحصل فيه من المشاق بقوله تعالى : { إذ القلوب } أي : من كل من حضره ترتفع { لدى } أي : عند { الحناجر } أي : حناجر المجموعين فيه وهو جمع حنجور وهو الحلقوم يعني أنها زالت عن أماكنها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج .

ثم أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال تعالى : { كاظمين } أي : ممتلئين خوفاً ورعباً وحزناً مكروبين فقد استدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم .

ولما كان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك والشفاعات قال تعالى مستأنفاً : { ما للظالمين } أي : العريقين في الظلم { من حميم } أي : قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم مزيل لكروبهم { ولا شفيع يطاع } فيشفع لهم .

تنبيه : احتج المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة عن المذنبين ، فقالوا : نفي حصول شفيع لهم يطاع يوجب أن لا يحصل لهم هذا الشفيع وأجيبوا بوجوه ؛ أولها : أنه تعالى نفى أن يحصل لهم شفيع يطاع وهذا لا يدل على نفي الشفيع كقولك ما عندي كتاب يباع ، لا يقتضي نفي الكتاب فهذا ينفي أن لهم شفيعاً يطيعه الله تعالى { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } ( يونس : 3 ) ثانيها : أن المراد بالظالمين في هذه الآية ههنا الكفار لأنها وردت في زجر الكفار قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } ( لقمان : 13 ) ، ثالثها : أن لفظ الظالمين إما أن يفيد الاستغراق أو لا ، فإن كان المراد : جميعهم فيدخل فيه الكفار ، وعندنا أنه ليس لهذا الجمع شفيعاً لأن بعضه كفار وليس لهم شفيع ، فحينئذ لا يكون لهذا الجمع شفيع ، وإن لم يفد الاستغراق كان المراد من الظالمين بعض الموصوفين بهذه الصفة ليس لهم شفيع .