معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

قوله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى } ، هذا خبر من الله أنه يقول للكفار يوم القيامة : { ولقد جئتمونا فرادى } وحداناً ، لا مال معكم ، ولا زوج ، ولا ولد ، ولا خدم ، وفرادى جمع فردان ، مثل سكران وسكارى ، وكسلان وكسالى ، وقرأ الأعرج : فردى ، بغير ألف ، مثل سكرى .

قوله تعالى : { كما خلقناكم أول مرة } ، عراةً حفاةً غرلاً .

قوله تعالى : { وتركتم } خلفتم .

قوله تعالى : { ما خولناكم } ، أعطيناكم من الأموال والأولاد والخدم .

قوله تعالى : { وراء ظهوركم } ، خلف ظهوركم ، في الدنيا .

قوله تعالى : { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } ، وذلك أن المشركين زعموا أنهم يعبدون الأصنام لأنهم شركاء الله وشفعاؤهم عنده .

قوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } ، قرأ أهل المدينة والكسائي ، وحفص ، عن عاصم بنصب النون ، على معنى لقد تقطع وصلكم وذلك مثل قوله : { وتقطعت بهم الأسباب } [ البقرة :166 ] أي : الوصلات ، والبين من الأضداد ، يكون وصلاً ويكون هجراً .

قوله تعالى : { وضل عنكم ما كنتم تزعمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ ْ } أي : أعطيناكم ، وأنعمنا به عليكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ْ } لا يغنون عنكم شيئا { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ْ }

فإن المشركين يشركون بالله ، ويعبدون معه الملائكة ، والأنبياء ، والصالحين ، وغيرهم ، وهم كلهم لله ، ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من أنفسهم ، وشركة في عبادتهم ، وهذا زعم منهم وظلم ، فإن الجميع عبيد لله ، والله مالكهم ، والمستحق لعبادتهم . فشركهم في العبادة ، وصرفها لبعض العبيد ، تنزيل لهم منزلة الخالق المالك ، فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة .

{ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ْ } أي : تقطعت الوصل والأسباب بينكم وبين شركائكم ، من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تُجْد شيئا . { وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ْ } من الربح ، والأمن والسعادة ، والنجاة ، التي زينها لكم الشيطان ، وحسنها في قلوبكم ، فنطقت بها ألسنتكم . واغتررتم بهذا الزعم الباطل ، الذي لا حقيقة له ، حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون ، وظهر أنكم الخاسرون لأنفسكم وأهليكم وأموالكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

وقوله : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : يقال لهم يوم معادهم هذا ، كما قال { وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الكهف : 48 ] ، أي : كما بدأناكم أعدناكم ، وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه ، فهذا يوم البعث .

وقوله : { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ } أي : من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " .

وقال الحسن البصري : يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَج فيقول الله ، عَزَّ وجل ، [ له ]{[10971]} أين ما جمعت ؟ فيقول يا رب ، جمعته وتركته أوفر ما كان ، فيقول : فأين ما قدمت لنفسك ؟ فلا يراه قدم شيئا ، وتلا هذه الآية : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ } تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في [ الدار ]{[10972]} الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان ، ظانين أن تلك تنفعهم{[10973]} في معاشهم ومعادهم إن كان ثَمَّ{[10974]} معاد ، فإذا كان يوم القيامة تقطعت الأسباب ، وانزاح الضلال ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ، ويناديهم الرب ، عَزَّ وجل ، على رءوس الخلائق : { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 22 ] وقيل{[10975]} لهم { أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ } [ الشعراء : 92 ، 93 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ } أي : في العبادة ، لهم فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم .

ثم قال تعالى : { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قُرئ بالرفع ، أي شملكم ، وقُرئ بالنصب ، أي : لقد انقطع ما بينكم{[10976]} من الوُصُلات والأسباب والوسائل { وَضَلَّ عَنْكُمْ } أي : وذهب عنكم { مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } من رجاء الأصنام ، كما قال : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [ البقرة : 166 ، 167 ] ، وقال تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ] ، وقال { إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ العنكبوت : 25 ] ، وقال { وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } الآية [ القصص : 64 ] ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا } إلى قوله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 22 - 24 ] ، والآيات في هذا كثيرة جدا .


[10971]:زيادة من أ.
[10972]:زيادة من أ.
[10973]:في م: "ذلك ينفعهم".
[10974]:في أ: "ثمة".
[10975]:في أ: "أو قيل".
[10976]:في أ: "تقطع بينكم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىَ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ وَتَرَكْتُمْ مّا خَوّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىَ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تّقَطّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلّ عَنكُم مّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به الاَلهة والأنداد ، يخبر عباده أنه يقول لهم عند ورودهم عليه : لقد جئتمونا فرادى ويعني بقوله : فرادى » : وحداناً لا مال معهم ولا أثاث ولا رفيق ولا شيء مما كان الله خوّلهم في الدنيا .

كمَا خَلَقْناكُمْ أوّل مَرّة عُراة غُلْفاً غُرْلاً حفاة كما ولدتهم أمهاتهم ، وكما خلقهم جلّ ثناؤه في بطون أمهاتهم ، لا شيء عليهم ولا معهم مما كانوا يتباهون به في الدنيا . وفرادى : جمع ، يقال لواحدها : فرد ، كما قال نابغة بني ذُبيان :

مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مَوْشِيَ أكَارِعُهُ ***طاوِي المَصِيرِ كسَيْفِ الصّيْقَل الفَرَدِ

وفَرَد وفَرِيد ، كما يقال : وَحَد ووَحِد ووَحِيد في واحد «الأوحاد » ، وقد يجمع الفَرْد الفُراد ، كما يجمع الوَحْد الوُحَاد ، ومنه قول الشاعر :

ترَى النّعَراتِ الزّرْقِ فوقَ لَبانه ***فُرادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْها صَوَاهِلُهْ

وكان يونس الجرميّ فيما ذكر عنه يقول : فراد : جمع فرد ، كما قيل : توءم وتؤام للجيمع ، ومنه الفرادى والرّدَافى والغوانى . ويقال : رجل فرد ، وامرأة فَرْد ، إذا لم يكن لها أخ ، وقد فَرَدَ الرجل فهو يَفْرُد فُروداً ، يراد به تفرد ، فهو فارد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : أخبرني عمرو أن ابن أبي هلال حدثه أنه سمع القرطبي يقول : قرأت عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قول الله : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّل مَرّةٍ فقالت : واسوأتاه ، إن الرجال والنساء يحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ ، لا يَنْظُرُ الرّجالُ إلى النّساءِ ولا النّساءُ إلى الرّجالِ ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ » .

وأما قوله : وَتَرَكْتُمْ ما خَوّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ فإنه يقول : خَلّفتم أيها القوم ما مكناكم في الدنيا مما كنتم تتباهون به فيها خلفكم في الدنيا ، فلم تحملوه معكم . وهذا تعيير من الله جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم التي كانوا يتباهون بها في الدنيا بأموالهم ، وكلّ ما مَلّكته غيرَك وأعطيته فقد خوّلته ، يقال منه : خال الرجل يخال أشدّ الخيال بكسر الخاء ، وهو خائل ، ومنه قول أبي النجم :

أعْطَى فلمْ يَبْخَلْ وَلمْ يُبَخّلِ ***كُومَ الذّرَا مِنْ خَوَلِ المُخَوّلِ

وقد ذكر أن أبا عمرو بن العلاء كان ينشد بين زهير :

هنالكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْوِلُوا ***وَإنْ يُسألُوا يُعْطُوا وَإنْ يَيْسِرُوا يُغلُوا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَتَرَكْتُمْ ما خَوّلْناكُمْ من المال والخدم وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ في الدنيا .

القول في تأويل قوله تعالى : وَما نَرَى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الّذِينَ زَعَمْتُمْ أنّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء العادلين بربهم الأنداد يوم القيامة : ما نرى معكم شفعاءكم الذين كنتم في الدنيا تزعمون أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة . وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت في النضر بن الحرث لقيله : إن اللات والعُزّى يشفعان له عند الله يوم القيامة . وقيل : إن ذلك كان قول كافة عبدة الأوثان . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما قوله : وَما نَرَى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الّذِينَ زَعَمْتُمْ أنّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدون الاَلهة لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله وأن هذه الاَلهة شركاء لله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة ، قال : قال النضر بن الحرث : سوف تشفع لي اللات والعزّى فنزلت هذه الاَية : وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ . . . إلى قوله : شُرَكاءَ .

القول في تأويل قوله تعالى : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ .

يقول تعالى مخبراً عن قيله يوم القيامة لهؤلاء المشركين به الأنداد : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ يعني : تواصلَهم الذي كان بينهم في الدنيا ، ذهب ذلك اليوم ، فلا تواصل بينهم ولا توادّ ولا تناصر ، وقد كانوا في الدنيا يتواصلون ويتناصرون فاضمحلّ ذلك كله في الاَخرة ، فلا أحد منهم ينصر صاحبه ولا يواصله .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمدبن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ البين : تواصلهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو خذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ قال : تواصلَهم في الدنيا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ قال : وصْلكم .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ قال : ما كان بينكم من الوصل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ يعني : الأرحام والمنازل .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ يقول : تقطع ما بينكم .

حدثنا أبو كريب ، قال : قال أبو بكر بن عياش : لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنَكُمْ : التواصل في الدنيا .

واختلفت القرّاء في قوله : بَيْنَكُمْ . فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة نصباً بمعنى : لقد تقطع ما بينكم . وقرأ ذلك عامة قرّاء مكة والعراقيين : «لَقَدْ تَقَطّعَ بَيْنُكُمْ » رفعاً ، بمعنى : لقد تقطع وصلكم .

والصواب من القول عندي في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان باتفاق المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، وذلك أن العرب قد تنصب «بين » في موضع الاسم ، ذكر سماعاً منها : إيابى نحوك ودُونَك وسواءَك ، نصباً في موضع الرفع ، وقد ذكر عنها سماعاً الرفع في «بين » إذا كان الفعل لها وجُعلت اسماً وينشد بيت مهلهل :

كأنّ رِماحَهُمْ أشْطانُ بِئْرٍ ***بعييدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ

برفع «بين » إذْ كانت اسماً . غير أن الأغلب عليهم في كلامهم النصب فيها في حال كونها صفة وفي حال كونها اسماً .

وأما قوله : وَضَلّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فإنه يقول : وحاد عن طريقكم ومنهاجكم ما كنتم من آلهتكم تزعمون أنه شريك ربكم ، وأنه لكم شفيع عند ربكم ، فلا يشفع لكم اليوم .