السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ فِيكُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيۡنَكُمۡ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (94)

{ و } يقال لهم إذا بعثوا للحساب والجزاء { لقد جئتمونا فرادى } أي : منفردين عن الأهل والمال والولد وسائر ما آثرتموه من الدنيا أو عن الأعوان والأوثان التي زعمتم أنها شفعاؤكم وهو جمع فرد والألف للتأنيث ككسالى وفي هذا تقريع وتوبيخ لهم لأنهم صرفوا هممهم في الدنيا إلى تحصيل المال والولد والجاه وأفنوا أعمارهم في عبادة الأصنام فلم يغن عنهم ذلك شيئاً يوم القيامة فبقوا فرادى عن كل ما حصلوه في الدنيا { كما خلقناكم أوّل مرّة } أي : حفاة عراة ، غرلاً ، روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قرأت هذه الآية فقالت يا رسول الله واسوأتاه إنّ الرجال والنساء يحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال ) وروي عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحشر الناس حفاة عراة غرلاً ) أي : غير مختونين ، وفي رواية زيادة على ذلك بهما ، قال الجوهري وغيره : أي : ليس معهم شيء ، قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت : الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأمر أشدّ أن يهمهم ذلك ) { وتركتم ما خوّلناكم } أي : ما تفضلنا به عليكم في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة { وراء ظهوركم } أي : في الدنيا فما أغنى عنكم ما كنتم منه تستكثرون { و } يقال لهم توبيخاً { ما نرى معكم شفعاءكم } أي : الأصنام { الذين زعمتم أنهم فيكم } أي : في استحقاق عبادتكم { شركاء } أي : لله وقوله تعالى : { لقد تقطع بينكم } قرأه نافع وحفص والكسائيّ بنصب النون أي : لقد تقطع ما بينكم من الوصل ، والباقون بالرفع أي : لقد تقطع وصلكم والبين من الأضداد يستعمل للوصل والفصل { وضلّ } أي : ذهب { عنكم ما كنتم تزعمون } أي : من أنها شفعاؤكم أو أن لا بعث ولا جزاء .