معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } . أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنا أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي ، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلؤي ، أنا أبو داود سليمان الأشعث السجستاني أنا موسى بن إسماعيل أنا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني عن أنس بن مالك : أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) الآية .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه ؟ فجاء أسيد بن حضير ، وعباد بن بشير ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض ؛ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما ، فعرفنا أنه لم يجد عليهما .

قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض } . أي عن الحيض ، وهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً كالسير والمسير ، وأصل الحيض الانفجار والسيلان .

قوله تعالى : { قل هو أذى } . أي قذر ، والأذى كل ما يكره من كل شيء .

قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } . أراد بالاعتزال ترك الوطء .

قوله تعالى : { ولا تقربوهن } . أي لا تجامعوهن ، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائزة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا قبيصة أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، كلانا جنب ، وكان يأمرني أن أتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا سعد بن حفص ، أنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم سلمة قالت : حضت وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة ، فانسللت فخرجت منها ، فأخذت ثياب حيضي فلبستها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنفست ؟ " قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة . أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد الحنفي ، أنا أبو الحارث طاهر بن محمد الظاهري ، أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن حكيم ، أنا أبو الموجه محمد بن عمرو أنا صدقة ، أنا وكيع أنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أشرب وأنا حائض ، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ ، وأتعرق العرق ، فيتناوله فيضع فاه على موضع فيّ " .

فوطء الحائض حرام ، ومن فعله يعصي الله عز وجل ويعزره الإمام ، إن علم منه ذلك ، واختلف أهل العلم في وجوب الكفارة عليه ، فذهب أكثرهم إلى أنه لا كفارة عليه ، فيستغفر الله ويتوب إليه . وذهب قوم إلى وجوب الكفارة عليه منهم : قتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، لما أخبرنا عبد الواحد ابن أحمد المليحي ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا القاسم البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا أبو جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل جامع امرأته وهي حائض قال : " إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار ، وإن كان صفرة فبنصف دينار " . ويروى هذا موقوفاً عن ابن عباس .

ويمنع الحيض جواز الصلاة ووجوبها ، ويمنع جواز الصوم ، ولا يمنع وجوبه ، حتى إذا طهرت يجب عليها قضاء الصوم ولا يجب قضاء الصلاة ، وكذلك النفساء . أخبرنا أبو عثمان سعيد عن عبيدة بن أبي محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي ، أنا علي بن حجر ، أنا علي بن مسهر بن إسماعيل الضبي أنا معقب الضبي عن عبد الكريم عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة قالت : " كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصيام ، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة " . ولا يجوز للحائض الطواف بالبيت ، ولا الاعتكاف في المسجد ، ولا مس المصحف ، ولا قراءة القرآن ، ولا يجوز للزوج غشيانها .

أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أنا القاسم بن جعفر ، أنا أبو علي اللؤلؤي ، أنا أبو داود ، أنا مسدد ، أنا عبد الواحد بن زياد ، أنا أفلت بن خليفة قال : حدثني جسرة بنت دجاجة قالت : سمعت عائشة تقول : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال : " وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " .

قوله تعالى : { حتى يطهرن } . قرأ عاصم برواية أبي بكر ، وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء يعني : حتى يغتسلن ، وقرأ الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء ، مخفف ، ومعناه حتى يطهرن من الحيض وينقطع دمهن .

قوله تعالى : { فإذا تطهرن } . يعني اغتسلن .

قوله تعالى : { فأتوهن } . أي فجامعوهن .

قوله تعالى : { من حيث أمركم الله } . أي من حيث أمركم أن تعتزلوهن منه ، وهو الفرج ، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة ، وقال ابن عباس : طئوهن في الفرج ولا تعدوه إلى غيره ، أي اتقوا الأدبار ، وقيل " من حيث " بمعنى " في " أي : في حيث أمركم الله تعالى وهو الفرج ، كقوله عز وجل : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) أي في يوم الجمعة وقيل فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهن وهو الطهر ، وقال ابن الحنفية : من قبل الحلال دون الفجور ، وقيل : لا تأتوهن صائمات ولا معتكفات ولا محرمات : وأتوهن وغشيانهن لكم حلال ، واعلم أنه لا يرتفع تحريم شيء مما منعه الحيض بانقطاع الدم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء إلا تحريم الصوم ، فإن الحائض إذا انقطع دمها بالليل ونوت الصوم فوقع غسلها بالنهار صح صومها ، والطلاق في حال الحيض يكون بدعياً ، وإذا طلقها بعد انقطاع الدم قبل الغسل لا يكون بدعياً ، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عدة عشرة أيام يجوز للزوج غشيانها قبل الغسل ، وقال مجاهد ، وعطاء ، وطاووس : إذا غسلت فرجها جاز للزوج غشيانها قبل الغسل . وأكثر أهل العلم على التحريم ما لم تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء ، لأن الله تعالى علق جواز وطئها بشرطين : بانقطاع الدم والغسل ، فقال ( حتى يطهرن ) يعني من الحيض ( فإذا تطهرن ) يعني اغتسلن ( فأتوهن ) ومن قرأ يطهرن بالتشديد فالمراد منه الغسل كقوله تعالى ( وإن كنتم جنباً فاطهروا ) أي فاغتسلوا فدل على أن قبل الغسل لا يحل الوطء .

قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } . قال عطاء ومقاتل بن سليمان والكلبي : ( يحب ) التوابين ( من الذنوب ) ، ويحب المتطهرين بالماء من الأحداث والنجاسات ، وقال مقاتل بن حيان : يحب التوابين من الذنوب ، والمتطهرين من الشرك ، وقال سعيد بن جبير : التوابين من الشرك والمتطهرين من الذنوب ، وقال مجاهد : التوابين من الذنوب لا يعودون فيها ، والمتطهرين منها لم يصيبوها ، والتواب : الذي كلما أذنب تاب ، نظيره قوله تعالى : ( فإنه كان للأوابين غفوراً ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

ثم قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }

يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض ، وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض ، كما كانت قبل ذلك ، أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود ؟ .

فأخبر تعالى أن الحيض أذى ، وإذا كان أذى ، فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده ، ولهذا قال : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } أي : مكان الحيض ، وهو الوطء في الفرج خاصة ، فهذا هو المحرم إجماعا ، وتخصيص الاعتزال في المحيض ، يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها ، في غير الوطء في الفرج جائز .

لكن قوله : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } يدل على أن المباشرة فيما قرب من الفرج ، وذلك فيما بين السرة والركبة ، ينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض ، أمرها أن تتزر ، فيباشرها .

وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحُيَّض { حَتَّى يَطْهُرْنَ } أي : ينقطع دمهن ، فإذا انقطع الدم ، زال المنع الموجود وقت جريانه ، الذي كان لحله شرطان ، انقطاع الدم ، والاغتسال منه .

فلما انقطع الدم ، زال الشرط الأول وبقي الثاني ، فلهذا قال : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي : اغتسلن { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } أي : في القبل لا في الدبر ، لأنه محل الحرث .

وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض ، وأن انقطاع الدم ، شرط لصحته .

ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده ، وصيانة عن الأذى قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } أي : من ذنوبهم على الدوام { وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } أي : المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث .

ففيه مشروعية الطهارة مطلقا ، لأن الله يحب المتصف بها ، ولهذا كانت الطهارة مطلقا ، شرطا لصحة الصلاة والطواف ، وجواز مس المصحف ، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة ، والصفات القبيحة ، والأفعال الخسيسة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

221

( ويسألونك عن المحيض . قل : هو أذى . فاعتزلوا النساء في المحيض ؛ ولا تقربوهن حتى يطهرن . فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله . إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . نساؤكم حرث لكم . فأتوا حرثكم أنى شئتم ، وقدموا لأنفسكم ، واتقوا الله ، واعلموا أنكم ملاقوه ، وبشر المؤمنين ) . .

وهذه لفتة أخرى إلى تلك العلاقة ترفعها إلى الله ؛ وتسمو بأهدافها عن لذة الجسد حتى في أشد أجزائها علاقة بالجسد . . في المباشرة . .

إن المباشرة في تلك العلاقة وسيلة لا غاية . وسيلة لتحقيق هدف أعمق في طبيعة الحياة . هدف النسل وامتداد الحياة ، ووصلها كلها بعد ذلك بالله . والمباشرة في المحيض قد تحقق اللذة الحيوانية - مع ما ينشأ عنها من أذى ومن أضرار صحية مؤكدة للرجل والمرأة سواء - ولكنها لا تحقق الهدف الأسمى . فضلا على انصراف الفطرة السليمة النظيفة عنها في تلك الفترة . لأن الفطرة السليمة يحكمها من الداخل ذات القانون الذي يحكم الحياة . فتنصرف بطبعها - وفق هذا القانون - عن المباشرة في حالة ليس من الممكن أن يصح فيها غرس ، ولا أن تنبت منها حياة . والمباشرة في الطهر تحقق اللذة الطبيعية ، وتحقق معها الغاية الفطرية . ومن ثم جاء ذلك النهي إجابة عن ذلك السؤال : ( ويسألونك عن المحيض . قل : هو أذى . فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) . .

وليست المسألة بعد ذلك فوضى ، ولا وفق الأهواء والانحرافات . إنما هي مقيدة بأمر الله ؛ فهي وظيفة ناشئة عن أمر وتكليف ، مقيدة بكيفية وحدود :

( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) . .

في منبت الإخصاب دون سواه . فليس الهدف هو مطلق الشهوة ، إنما الغرض هو امتداد الحياة . وابتغاء ما كتب الله . فالله يكتب الحلال ويفرضه ؛ والمسلم يبتغي هذا الحلال الذي كتبه له ربه ، ولا ينشىء هو نفسه ما يبتغيه . والله يفرض ما يفرض ليطهر عباده ، ويحب الذين يتوبون حين يخطئون ويعودون إليه مستغفرين :

( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

{ ويسألونك عن المحيض } روي ( أن أهل الجاهلية كانوا لا يساكنون الحيض ولا يؤاكلونها ، كفعل اليهود والمجوس ، واستمر ذلك إلى أن سأل أبو الدحداح في نفر من الصحابة عن ذلك فنزلت ) . والمحيض مصدر كالمجيء والمبيت ، ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر يسألونك بغير واو ثلاثا ثم بها ثلاثا ، لأن السؤالات الأول كانت في أوقات متفرقة والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد فلذلك ذكرها بحرف الجمع . { قل هو أذى } أي الحيض شيء مستقذر مؤذ من يقربه نفرة منه . { فاعتزلوا النساء في المحيض } فاجتنبوا مجامعتهم لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم " . وهو الاقتصاد بين إفراط اليهود ، وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعوهن ولا يبالون بالحيض . وإنما وصفه بأنه أذى ورتب الحكم عليه بالفاء إشعارا بأنه العلة . { ولا تقربوهن حتى يطهرن } تأكيد للحكم وبيان لغايته ، وهو أن يغتسلن بعد الانقطاع ويدل عليه صريحا قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية ابن عباس { يطهرن } أي يتطهرن بمعنى يغتسلن والتزاما لقوله : { فإذا تطهرن فأتوهن } فإنه يقتضي تأخير جواز الإتيان عن الغسل . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إذا طهرت لأكثر الحيض جاز قربانها قبل الغسل . { من حيث أمركم الله } أي المأتي الذي أمركم الله به وحلله لكم . { إن الله يحب التوابين } من الذنوب . { ويحب المتطهرين } أي المتنزهين عن الفواحش والأقذار ، كمجامعة الحائض والإتيان في غير المآتي .