الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

قوله تعالى : { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى }[ البقرة :222 ]

قال الطبريُّ عن السُّدِّيِّ : إنَّ السائلَ ثابتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ ، وقال قتادةُ وغيره : إِنما سألوه ، لأنَّ العرب في المدينةِ وما والاها ، كانُوا قد استنوا بسُنَّة بني إِسرائيل في تجنُّب مواكلة الحائِضِ ، ومساكَنَتِها ، فنزلَتِ الآية .

وقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء فِي المحيض }[ البقرة :222 ]

يريدُ : جماعَهُنَّ ، بما فَسَّر من ذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ أنْ تشدَّ الحائِضُ إِزارها ، ثُمَّ شأنُه بأعلاها .

قال أحمدُ بن نَصْرِ الداوديّ : روي أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( اتقوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ ، فَإِنَّ الجُذَامَ يَكُونُ مِنْ أَوْلاَدِ المَحِيضِ ) ، انتهى .

وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ }[ البقرة :222 ] .

وقرأ حمزة وغيره { يَطَّهَّرْنَ } ، بتشديد الطاء والهاء ، وفتحهما ، وكلُّ واحدة من القراءَتَيْنِ يحتملُ أنْ يراد بها الاِغتسالُ بالماء ، وأن يراد بها انقطاعُ الدمِ وزوالُ أذاه ، قال ابنُ العربيُّ في " أحكامه " : سمعْتُ أبا بَكْرٍ الشَّاشِيَّ يقولُ : إِذا قيل : لا تَقْرَبْ ، بفتح الراء ، كان معناه : لا تَلْتَبِسْ بالفعلِ ، وإِذا كان بضم الراء ، كان معناه لا تَدْن منه ، انتهى .

وجمهورُ العلماء على أنَّ وطأها في الدَّمِ ذنْبٌ عظيمٌ يتاب منْه ، ولا كفَّارة فيه بمالٍ ، وجمهُورهم على أن الطُّهْر الذي يُحِلُّ جماعَ الحائِض ، هو بالماءِ ، كطهر الجُنُب ، ولا يجزئ من ذلك تَيَمُّمٌ ولا غيره .

وقوله تعالى : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ . . . } [ البقرة :222 ] .

الخلافُ فيها كما تقدَّم ، وقال مجاهدٌ وجماعةٌ : { تَطَهَّرْنَ } ، أي : اغتسلن بالماء بقرينةِ الأمر بالإِتيان ، لأنَّ صيغة الأمْرِ من اللَّهِ تعالى لا تقعُ إِلا على الوَجْه الأكمل ، و{ فَأْتُوهُنَّ } : أمر بعد الحَظْر ، يقتضي الإِباحة ، والمعنى : من حيثُ أمركم اللَّه باعتزالهن وهو الفَرْج ، أو من السُّرَّة إِلى الرُّكْبة ، على الخلاف في ذلك ، وقال ابن عبَّاس : المعنى : من قِبَلِ الطُّهْرِ ، لا من قِبَلِ الحَيض ، وقيل : المعنى مِنْ قِبَلِ حالِ الإِباحة ، لا صائماتٍ ولا مُحْرِماتٍ ، ولا غيرَ ذلك ، و{ التَّوَّابُون } : الرجَّاعون ، وعُرْفُهُ من الشَّرِّ إِلى الخير ، و{ المُتَطَهِّرْونَ } قال عطاءٌ وغيره : المعنى بالماء ، وقال مجاهد وغيره : المعنى من الذنوب .