الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

قوله : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ )( {[7098]} ) [ 220 ] .

كان أصحاب النبي [ عليه السلام ]( {[7099]} ) في بدء الإسلام لا يساكنون النساء في المحيض ولا يواكلونهن( {[7100]} ) ، فسألوا النبي [ عليه السلام ]( {[7101]} ) عن ذلك ، فعرفهم الله تعالى في الآية أن [ الذي يجتنب ]( {[7102]} ) من الحائض هو جماعها حتى تطهر( {[7103]} ) ، وأن ما سواء ذلك حلال( {[7104]} ) .

ثم قال : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) [ 220 ] .

أي : ( {[7105]} ) في الفرج خاصة . فهذا يدل على منع إتيانهن في الأدبار .

وقيل : معنى ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) طهراً غير حيض .

ومعنى : ( قُلْ هُوَ أَذًى ) [ 220 ] .

قال السدي : " قل( {[7106]} ) يا محمد : قل( {[7107]} ) هو قذر( {[7108]} )/ " ( {[7109]} ) ، وكذلك قال( {[7110]} ) قتادة( {[7111]} ) .

وقال مجاهد : " ( قُلْ هُوَ أَذًى ) قل هو دم " ( {[7112]} ) .

والآية ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من شريعتهم لأنهم كانوا لا يجتمعون مع الحائض في بيت ولا يواكلونها ، فنسخت الآية ذلك . فقالت اليهود عند نزولها : " ما يدع محمد شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه " ( {[7113]} ) .

فللرجل أن يستمتع [ من الحائض ]( {[7114]} ) بما دون الفرج غير الدبر . وهو قول عائشة وأم سلمة وابن عباس والحسن وعطاء والشعبي والنخعي والثوري وغيرهم( {[7115]} ) . وهو قول الشافعي الصحيح( {[7116]} ) .

ويروى( {[7117]} ) عن ميمونة( {[7118]} ) وسعيد بن المسيب أنها تعتزل فيما بين السرة والركبة ، ويستمتع بها فيما دون ذلك( {[7119]} ) ، وهو قول مالك( {[7120]} ) وأبي حنيفة( {[7121]} ) .

وقال عكرمة الشعبي : " لا بأس بإتيانها دون الفرج " ( {[7122]} ) [ يريدان الفخذ ]( {[7123]} ) .

وقال الثوري : " لا بأس أن يباشرها( {[7124]} ) إذا اتقى موضع الدم " ( {[7125]} ) .

فإن أتاها وهي حائض ؛ فقال ابن عباس : " يتصدق بدينار أو( {[7126]} ) بنصف " ( {[7127]} ) .

وقيل : إن كان في فور الدم وقوته يتصدَّق بدينار ، وإن كان في آخره وضعفه تصدق بنصف( {[7128]} ) . قاله النخعي وغيره( {[7129]} ) .

وقال الأوزاعي : " إن كان وطئها في الدم تصدق بدينار ، وإن وطئها بعد انقطاع الدم وقبل( {[7130]} ) الطهر بالماء ، تصدق بنصف دينار " ( {[7131]} ) .

وقال سعيد بن جبير : " عليه عتق رقبة " .

وقال الحسن : " عليه مثل الذي على من وطئ في رمضان " . وجماعة/الفقهاء التابعين يقولون : لا شيء عليه ويستغفر الله من ذلك ولا يعد ، وقد أخطأ .

قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة . وهو قول الشعبي والزهري وربيعة وأبي الزناد والليث بن سعد والثوري( {[7132]} ) .

وقال مالك والشافعي وابن حنبل وغيرهم : " لا يطأها حتى تغتسل بالماء ، فإن فعل قبل ذلك ، وقد انقطع الدم ، لم يكن عليه شيء ، وقد أخطأ ويستغفر الله " ( {[7133]} ) .

وهو قول سالم/بن عبد الله( {[7134]} ) وسليمان بن يسار( {[7135]} ) والزهري وربيعة والثوري( {[7136]} ) .

وقال عطاء وطاوس ومجاهد : " إذا احتاج إلى وطئها قبل أن تغتسل ، أمرها أن تتوضأ ، ثم أصاب منها ما شاء " ( {[7137]} ) .

وهو معنى قراءة من قرأ : " حتى يَطْهُرْنَ " مخففاً( {[7138]} ) ، أي ينقطع عنهن الدم .

وفي مصحف أبي وابن مسعود : " حتى يتطهرن " ( {[7139]} ) بالتاء( {[7140]} ) أي بالماء( {[7141]} ) ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) أي اغتسلن . هذا قول الجماعة( {[7142]} ) .

وقال مجاهد وطاوس : " إذا تطهرن للصلاة " ( {[7143]} ) .

فليس يحب للقارئ أن يقف على " يطهرن " في( {[7144]} ) قراءة من خففه لئلا يبيح( {[7145]} ) وطء الحائض إذا انقطع عنها الدم ولم تتطهر( {[7146]} ) بالماء( {[7147]} ) . فأما( {[7148]} ) من قرأه بالتشديد( {[7149]} ) ، فالوقف عليه حسن لأن معناه( {[7150]} ) : " يتطهرن بالماء " وقربها بعد التطهر بالماء إجماع .

قوله : ( مِّن حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه " ( {[7151]} ) . يعني يأتونهن( {[7152]} ) بعد التطهر في الموضع الذي أمروا أن يعتزلوه في الحيض وهو الفرج .

فهذا نص من الله على إتيان النساء في طهورهن( {[7153]} ) في/الفرج دون غيره .

وقيل : معناه( {[7154]} ) : من قبل طهرهن ، لا من قبل حيضهن( {[7155]} ) .

وقيل : معناه إيتوهن من قبل النكاح الذي أمرتم به ، وحل لكم لا من قبل الزنا الذي نهيتم عنه ، وحرم عليكم( {[7156]} ) .

قوله : ( يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) [ 220 ] .

أي الراجعين/عن الذنوب ، والمتطهرين بالماء للصلاة . وهو/ظاهر( {[7157]} ) اللفظ ، وعليه أكثر أهل التأويل( {[7158]} ) .

وقال مجاهد : " ( وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ) : أي( {[7159]} ) الذين لا( {[7160]} ) يأتون النساء في أدبارهن " ( {[7161]} ) .

وقيل : معناه : ويحب المتطهرين من الذنوب أن يعودوا( {[7162]} ) بعد التوبة( {[7163]} ) . و( المُتَطَهِّرِينَ ) يعني به النساء والرجال ، غلب المذكر على المؤنث ، ولم يقل المتطهرات ، لأنه يخص النساء خاصة إذ لا يغلب المؤنث على المذكر( {[7164]} ) .

وقيل : عني بالمتطهرين اللواتي يتطهرن من الحيضة بالماء ، وهذا يدل على أن الحائض لا توطأ إلا بعد التطهر بالماء/لأن( {[7165]} ) من وطئها( {[7166]} ) قبل التطهر بالماء ، فقد وطئ من لا يحبه الله ، وذلك ممنوع .

ومن وطئ بعد التطهر بالماء ، فقد وطئ من يحب( {[7167]} ) الله . وذلك حسن لأن الله إنما أحبهن على فعلهن وهو التطهر بالماء ، ولم يحبهن على غير فعلهن ، وهو انقطاع دم الحيض( {[7168]} ) ، فشكر الله لهن تطهرهن بالماء .

وأتى " بالمتطهرين " ( {[7169]} ) بلفظ التذكير لأنه يكون من الرجال والنساء ، فغلب المذكر .

وقوله : ( أَنَّى شِئْتُمْ ) [ 221 ] . أي مقبلة( {[7170]} ) ومدبرة في الفرج( {[7171]} ) .


[7098]:- سقط قوله: "عن المحيض" من ق.
[7099]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7100]:- في ع2: يأكلونهن، وفي ق: يواكلوهن. وكلاهما تحريف.
[7101]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[7102]:- في ع2: الذين يجتنبون.
[7103]:- في ع2: تظهر، وهو تصحيف.
[7104]:- انظر: أسباب النزول 76-77، ولباب النقول 73.
[7105]:- سقط من ع2.
[7106]:- في ع2: قال. وهو خطأ.
[7107]:- سقط من ع2، ح، ق.
[7108]:- في ع1، ع2، ق: قدر. وهو تصحيف.
[7109]:- انظر: جامع البيان 4/374.
[7110]:- سقط من ق.
[7111]:- انظر: جامع البيان 4/374.
[7112]:- انظر: جامع البيان 4/375، والدر المنثور 1/620.
[7113]:- انظر: سنن أبي داود 1/67، 2/250، وسنن الترمذي 5/214-215.
[7114]:- في ع3: بالحائض.
[7115]:- انظر: جامع البيان 4/379-380، وأحكام ابن العربي 1/162.
[7116]:- انظر: أحكام الشافعي 1/194.
[7117]:- في ع2، ع3: روي.
[7118]:- هي ميمونة بنت الحارث بن حزن، العامرية الهلالية: أم المؤمنين، روى عنها ابن عباس ويزيد بن الأصم (ت51هـ). انظر: طبقات ابن خياط 330، والإصابة 4/411-413. (ط. بيروت)، والخلاصة 3/392.
[7119]:- انظر: جامع البيان 4/382، وتفسير القرطبي 3/87، ولفظ "ذلك" ساقط من ق.
[7120]:- في ع2، ع3: مالك رضي الله عنه.
[7121]:- انظر: أحكام الجصاص 1/337، وتفسير القرطبي 3/87.
[7122]:- انظر: جامع البيان 4/381.
[7123]:- في ع3: "يريد بين الفخدين".
[7124]:- في ع3: تباشرها.
[7125]:- انظر: تفسير القرطبي 3/87، ونسبه الطبري في جامع البيان 4/379 إلى ابن عباس.
[7126]:- في ق: و.
[7127]:- انظر: الدر المنثور 1/623، وأخرجه أبو داود في سننه 1/69، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس.
[7128]:- وهو قول ابن عباس في سنن أبي داود 1/69، وسنن ابن ماجه 1/213.
[7129]:- انظر: تفسير القرطبي 3/87.
[7130]:- في ع2: قيل، وهو تصحيف.
[7131]:- انظر: المحرر الوجيز 2/181، وتفسير القرطبي 3/87.
[7132]:- وهو قول الجمهور. انظر: تفسير القرطبي 3/87، وتفسير ابن كثير 1/259.
[7133]:- انظر: تفسير القرطبي 3/88.
[7134]:- هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني الفقيه، أحد السبعة. روى عن أبيه وعن أبي هريرة، وروى عنه حنظلة بن أبي سفيان وابنه أبو بكر. (ت106هـ). انظر: طبقات ابن خياط 246، وتذكرة الحفاظ 88-89، وتقريب التهذيب 1/280، والخلاصة 1/361.
[7135]:- هو سليمان بن يسار أبو أيوب الهلالي المدني تابعي، فقيه. روى عن عائشة وابن عباس. وروى عنه الزهري وصالح بن كيسان. (ت104هـ) وقي 107هـ. انظر: طبقات ابن خياط 247، وتذكرة الحفاظ 91.
[7136]:- انظر: تفسير القرطبي 3/87.
[7137]:- انظر: جامع البيان 4/386-387، وتفسير القرطبي 3/88.
[7138]:- وهي قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم. انظر: كتاب السبعة 182، والتبصرة 160، والكشف 1/293، والتيسير 80، وكتاب العنوان 74، والحجة 135، والنشر 2/227، وتحبير التيسير 91.
[7139]:- في ع2: يطهرن.
[7140]:- في ع1، ع2، ع3، ق: بالماء، وهو تحريف. وانظر: قراءة أبي وابن مسعود في الكشف 1/294، والحجة 135.
[7141]:- قوله: "أي بالماء" ساقط من ق، ع3.
[7142]:- انظر: معان الفراء 1/123، وتفسير القرطبي 3/88.
[7143]:- انظر: جامع البيان 4/386.
[7144]:- في ع3: وفي.
[7145]:- في ق: يبح، وهو خطأ.
[7146]:- في ع3: تطهر.
[7147]:- انظر: هذا الحكم في: مشكل الإعراب 1/293، والحجة 135.
[7148]:- في ق: وأما.
[7149]:- وهي قراءة حمزة، والكسائي، وأبي بكر عن عاصم. انظر: كتاب السبعة 182، والتبصرة، والكشف 1/294، والتيسير 80، والحجة 135، والنشر 2/227، والتحبير 91.
[7150]:- خالف النحاس والداني مكياً فأجازا الوقف لمن قرأ بالتخفيف ولم يجزه لمن قرأ بالتشديد، انظر: كتاب القطع والإئتناف 187، والمكتفى 185.
[7151]:- انظر: تفسير الثوري 66-67، وجامع البيان 4/389، والدر المنثور 1/625.
[7152]:- في ع2، ح، ق، ع3: يأتوهن.
[7153]:- في ح: طهرهن.
[7154]:- سقط من ق.
[7155]:- انظر: جامع البيان 4/391، والمحرر الوجيز 2/182، وتفسير القرطبي 3/91.
[7156]:- وهو قول ابن الحنفية، انظر نفس المصادر السابقة.
[7157]:- في ع1: طاهر، وهو تصحيف.
[7158]:- وهو اختيار الطبري. انظر: جامع البيان 4/396.
[7159]:- سقط من ع2، ع3.
[7160]:- سقط من ق.
[7161]:- انظر: جامع البيان 4/395، والمحرر الوجيز 2/182، وتفسير القرطبي 3/91.
[7162]:- في ق: يعود. وفي ع3: يعدوا.
[7163]:- وهو قول مجاهد في جامع البيان 4/396، والمحرر الوجيز 2/282.
[7164]:- انظر: هذا التوجيه في: جامع البيان 4/396-397.
[7165]:- في ق: فإن.
[7166]:- في ع3: وطأها.
[7167]:- في ح: يحبه.
[7168]:- قوله: "ولم يحبهن..دم الحيض" ساقط من ع3.
[7169]:- في ع2، ع3: بلفظ المتطهرين.
[7170]:- في ع3: مقابلة، وهو تحريف.
[7171]:- وهو قول ابن عباس في جامع البيان 4/398.