{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين } .
{ يسألونك عن المحيض } السائل أبو الدحداح في نفر من الصحابة والمحيض هو الحيض وهو مصدر ميمي ، يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة كذا قال الفراء ، ونساء حيض وحوائض والحيضة بالكسرة المرة الواحدة وقيل الاسم ، وقيل المحيض عبارة عن الزمان والمكان وهو مجاز فيهما .
وقال ابن جرير الطبري : المحيض اسم الحيض أي الحدث وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال حاض السيل وفاض وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ومنه الحوض لأن الماء يحوض إليه ويسيل .
{ قل هو أذى } أي شيء يتأذى به أي برائحته والأذى كناية عن القذر أو محله ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى { ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } ومنه قوله تعالى { ودع أذاهم } { فاعتزلوا النساء في المحيض } أي فاجتنبوهن واتركوا وطأهن في زمان الحيض أن حمل المحيض على الصدر أو في محل الحيض إن حمل على الاسم .
والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملابسة فإن ذلك جائز بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك .
وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشيء .
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين .
وقد أخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أنس ( أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله { ويسألونك عن المحيض } الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح{[206]} ) .
{ ولا تقربوهن } بالجماع { حتى يطهرن } قرئ بالتخفيف والتشديد والطهر انقطاع الحيض والتطهير الاغتسال وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء ، وقال محمد ابن كعب القرظي ويحيى ابن بكير : إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل وقال مجاهد وعكرمة إن انقطع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ .
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة ، وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد .
والأولى أن يقال أن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان إحداهما انقطاع الدم والأخرى التطهر منه ، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى فيجب المصير إليها ، وقد دل على أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك { فإذا تطهرن } فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم ، وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة ما والعمل بتلك الزيادة ، كذلك يجب الجمع بين القراءتين .
{ فأتوهن من حيث أمركم الله } أي فجامعوهن وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعوهن في المأتى الذي أباحه الله ، وهو القبل وقيل من حيث بمعنى في حيث كما في قوله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } أي في يوم الجمعة وقوله { ماذا خلقوا من الأرض } أي في الأرض وقيل أن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه أي من غير صوم وإحرام واعتكاف ، وقيل أن المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض ، وقيل من قبل الحلال لا من قبل الزنا .
{ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } قيل المراد التوابون من الذنوب والمتطهرون من الجنابة والأحداث وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهن وقيل من إتيانهن في المحيض والأول أظهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.