{ ويسألونك } يا محمد { عن المحيض } أي : الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه .
روي أن أهل الجاهلية كانوا لم يساكنوا الحيض ولم يؤاكلوهنّ كفعل اليهود ، فإنّ اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيت ، واستمرّ ذلك إلى أن سأل أبو الدحداح في نفر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال الله تعالى : { قل } لهم { هو } أي : الحيض أو مكانه { أذى } قذر أو محله قذر .
فإن قيل : لماذا ذكر الله تعالى يسألونك بغير واو ثلاثاً ثم بها ثلاثاً ؟ أجيب : بأنّ السؤالات الأول كانت في أوقات متفرّقة ، والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد ، فلذلك ذكرها بحرف الجمع ، وهو واو العطف ، وهي الجمع في الحكم لا الزمان ، واعترض هذا الجواب بأنه كان يجب على هذا أن تدخل الواو على اثنين من الثلاثة الأخيرة ؛ لأنّ العطف يكون في الثانية والثالثة منها ، وأجيب : بأنهم لما سألوا عما كانوا ينفقون ، فأجيبوا بمصرف النفقة أعادوا سؤالهم بالواو ما ينفقون ، فأجيبوا : بالعفو ، ولما كان السؤال الثاني عن مخالطة اليتامى في النفقة ، وهو مناسب لما قبله عطف بالواو ، ولما كان الثالث سؤالاً عن اعتزال الحيض كما تعتزل اليتامى فناسب ما قبله في الاعتزال عطف بالواو ، ولا كذلك الثلاثة الأول ؛ إذ لا تعلق بينها .
{ فاعتزلوا النساء } أي : اتركوا وطأهنّ { في المحيض } أي : وقته أو مكانه ؛ لأنّ ذلك هو الاقتصاد بين إفراط اليهود ، وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض ، وما استدلّ به البيضاوي من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم نأمركم بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم ) قال شيخنا القاضي زكريا : لم أره بهذا اللفظ في بعض التفاسير لغيره .
وقوله تعالى : { ولا تقربوهنّ } أي : بالجماع { حتى يطهرن } تأكيد للحكم وبيان لغايته ، وهو أن يغتسلن بعد الانقطاع ، ويدل عليه صريحاً قراءة شعبة وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء أي : يتطهرن بمعنى يغتسلن والباقون بسكون الطاء وضمّ الهاء مخففة والتزاماً .
قوله تعالى : { فإذا تطهرن فأتوهنّ } أي : للجماع فإنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل ، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : إن طهرت لأكثر الحيض وهو عنده عشرة أيام جاز قربانها قبل الغسل .
{ من حيث أمركم الله } بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدّوه إلى غيره . أمّا الملامسة فيما عدا ما بين السرّة والركبة والمضاجعة معها قبل الغسل ، ولو قبل انقطاع الحيض فجائز ، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : ( كان يأمرني صلى الله عليه وسلم فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض ) .
وعن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : ( حضت وأنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي ، فلبستها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست ؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة ) { إن الله يحب } أي : يثيب ويكرم { التوّابين } من الذنوب { ويحب المتطهرين } أي : المتنزهين عن الفواحش والأقذار ، كمجامعة الحائض والإتيان في غير القبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.