{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين( 222 ) نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملقوه وبشر المؤمنين( 223 ) }
الحيض : لغة السيلان يقال حاض السيل وفاض . وشرعا دم ذو أوصاف خاصة يخرج من الرحم في مدة مخصوصة استعدادا للحمل حين المعاشرة الزوجية إبقاء للنوع البشري .
اعتزلوا النساء في المحيض : اتركوا غشيانهن في هذه المدة .
التطهير : الاغتسال بالماء إن وجد أم التيمم ،
{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } .
أخرج مسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم عن أنس رضي الله عنه " أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيت ، أي لم يكونوا معهن في البيوت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية . فقال صلى الله عليه وسلم : " جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء إلا النكاح " ( 190 ) أي إلا الوطء لا يحل أثنا المحيض .
وكان اليهود يعتقدون أن الحائض نجسة وكل من مسها يكون نجسا إلى المساء ، وكذلك يتنجس كل ما تلمسه أو تلبسه ، فمن مس فراشها لا يطهر إلا بغسل ثيابه واستحمامه ، ومع هذا يضل نجسا إلى المساء وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة أيام ، وكل فراش يضطجع عليه يكون نجسا إلى نحو ذلك من الأحكام ، والرجل الذي يسيل منه دم نحو هذه الأحكام .
وكان العرب في الجاهلية لا يساكنون الحيض ، ولا يؤاكلونهن كما كانت تفعل اليهود والمجوس .
وكانت النصارى تتهاون في أمور الحيض ، وكانوا مخالطين للعرب في كثير من المواطن ، فكان هذا الاختلاف مدعاة للسؤال عن حكم المحيض في هذه الشريعة( 196 ) .
والمعنى : يسألك المؤمن عن دم النساء الذي يأتيهن شهريا وعن الأحكام المترتبة على وجوده قال لهم : هو أدى إذ هو ضار بصحة الأجسام ، فرائحته يتأذى منها من يشمها ، وهو في ذلته شيء متقذر تعافه النفوس فتنفر منه الطباع فعليكم أيها المؤمنون أن تمتنعوا عن مباشرة النساء في زمن حيضهن ولا تجامعوهن حتى يطهرن من ذلك .
{ فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله . . . }
فإذا تطهرن من المحيض فجامعوهن في المكان الذي أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدوه إلى غيره .
" وفيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال ، وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } ، وليس له في ذلك مستند ، لأن هذا أمر بعد الحظر ، وفيه أقوال لعلماء الأصول ، منهم من يقول : إنه للوجوب كالمطلق ، و هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم . ومنهم من يقول : إنه للإباحة ويجعلون تقدم النهي قرينة صارفة له عن الوجوب ، وفيه نظر .
والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي ، فإن كان واجبا فواجب قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين }( التوبة : 5 ) ، أو مباحا فمباح كقوله : { وإذا حللتم فاصطادوا }( المائدة : 2 ) وكقوله : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض }( الجمعة : 10 ) .
وعلى هذا القول تجتمع الأدلة وهو الصحيح( 197 ) .
وقد اتفق العلماء على أم المرأة إذا نقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إذا تعذر عليها بشرطه .
إلا أن أبا حنيفة يقول فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل( 198 ) .
وإذا انقطع دمها لأقل الحيض لم تحل حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت الصلاة كامل فتصبح الصلاة دينا في ذمتها .
وسبب الخلاف أن الله عز وجل قال : { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن } . الأولى بالتخفيف والثانية بالتشديد . وطهر يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع الدم ، وأما تطهر فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان وهو الاغتسال بالماء ، فحمل أبو حنيفة : { ولا تقربوهن حتى يتطهرن } . على انقطاع دم الحيض وقوله : { فإذا تطهرن } : على معنى فإذا انقطع دم الحيض ، فاستعمل المشدد بمعنى المخفف .
وقال الجمهور بالعكس ، إنه استعمل المخفف بمعنى المشدد والمراد ولا تقربوهن حتى يغتسلن بالماء ، فإذا اغتسلن فأتوهن ، بدليل قراءة بعضهم : { حتى يطهرن } . بالتشديد ، وبدليل قوله : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } .
أو يستعمل كل واحدة في معناها ، ويؤخذ من مجموع الكلامين أن الله علق الحل على شيئين : انقطاع الدم والتطهر بالماء ، كقوله : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } . ( النساء : 6 ) فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين : أحدهما بلوغ النكاح وثانيهما إبناس الرشد .
ودافع الحنيفة عن رأيهم بكلام أقرب إلى الفلسفة والتمحل( 199 ) .
والآية في بساطتها وفيما يظهر منها لأول وهلة متفقة مع رأي الجمهور وهو وجوب التطهر من الحيض قبل المخالطة بين الرجل والمرأة وذلك أقرب إلى سنن الفطرة وإلى النظافة العامة ، وأدعى إلى وجوب الألفة والمودة بين الرجل والمرأة .
قال ابن عباس : { حتى يطهرن } . أي من الدم { فإذا تطهرن } أي بالماء . وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن وغيرهم( 200 ) .
{ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }
إن الله يحب عبادة الذين يكثرون التوبة والإنابة والرجوع إلى الله والذين يصونون أنفسهم وينزهونها عن المعاصي والآثام ، ويرضى عنهم في الدنيا والآخرة .
قال القرطبي : " " التوابون " من الذنوب والشرك . و " المتطهرون " أي بالماء من الجنابة والأحداث .
وقال مجاهد : " التوابون " من إتيان النساء في أدبارهن و " المتطهرون " الذين لم يذنبوا .
فإن قيل كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب قيل قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة ولا يعجب المتطهر بنفسه .
وقد أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى حائضا فقد كفر بما أنزل عل محمد صلى الله عليه وسلم " ( 201 ) . والحديث للترهيب والمقصود أنه فعل ما يفعله الكافرون .
بدليل ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أصبت امرأتي وهي حائض ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتنق نسمة( 202 ) .
قال القرطبي : " واختلفوا في الذي يأتي امرأته وهي حائض ماذا عليه ؟ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : يستغفر الله ولا شيء عليه . وقيل : يتصدق بدينار إذا كان دم الحيض احمر أي في أول أيام الحيض ويتصدق بنصف دينار إذا كان دم الحيض اصفر أي في آخر أيام الحيض ، كما دلت على ذلك الآثار( 203 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.