تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

ثم قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }

يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض ، وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض ، كما كانت قبل ذلك ، أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود ؟ .

فأخبر تعالى أن الحيض أذى ، وإذا كان أذى ، فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده ، ولهذا قال : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } أي : مكان الحيض ، وهو الوطء في الفرج خاصة ، فهذا هو المحرم إجماعا ، وتخصيص الاعتزال في المحيض ، يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها ، في غير الوطء في الفرج جائز .

لكن قوله : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } يدل على أن المباشرة فيما قرب من الفرج ، وذلك فيما بين السرة والركبة ، ينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض ، أمرها أن تتزر ، فيباشرها .

وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحُيَّض { حَتَّى يَطْهُرْنَ } أي : ينقطع دمهن ، فإذا انقطع الدم ، زال المنع الموجود وقت جريانه ، الذي كان لحله شرطان ، انقطاع الدم ، والاغتسال منه .

فلما انقطع الدم ، زال الشرط الأول وبقي الثاني ، فلهذا قال : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي : اغتسلن { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } أي : في القبل لا في الدبر ، لأنه محل الحرث .

وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض ، وأن انقطاع الدم ، شرط لصحته .

ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده ، وصيانة عن الأذى قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } أي : من ذنوبهم على الدوام { وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } أي : المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث .

ففيه مشروعية الطهارة مطلقا ، لأن الله يحب المتصف بها ، ولهذا كانت الطهارة مطلقا ، شرطا لصحة الصلاة والطواف ، وجواز مس المصحف ، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة ، والصفات القبيحة ، والأفعال الخسيسة .