غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِيضِۖ قُلۡ هُوَ أَذٗى فَٱعۡتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلۡمَحِيضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ} (222)

222

التفسير : الحكم السابع : { ويسألونك عن المحيض } قيل : إنه تعالى جمع في هذا الموضع بين ستة أسئلة ، فذكر الثلاثة الأول بغير الواو والباقية بالواو . والسبب أن سؤالهم عن تلك الحوادث وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف ، لأن كل واحد من تلك السؤالات سؤال مبتدأ ، وسألوا عن الوقائع الأخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كأنه قيل : يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن كذا وعن كذا . روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها ، والنصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض ، وكان أهل الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فرش ، ولم يساكنوها في بيت . فقال ناس من الأعراب يا رسول الله ، البرد شديد والثياب قليلة . فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فنزلت الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت " يعني أن المراد من قوله تعالى { فاعتزلوا النساء } فاعتزلوا مجامعتهن . واتفق المسلمون على حرمة الجماع في زمان الحيض ، واتفقوا على حل الاستمتاع بالمرأة بما فوق السرة وتحت الركبة ، واختلفوا فيما دون السرة وفوق الركبة . فالشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف قالوا : يجب اعتزال ما اشتمل عليه الإزار بناء على أن المحيض مصدر كالمجيء والمبيت ، والتقدير : فاعتزلوا تمتع النساء في زمان الحيض . ترك العمل بالآية فيما فوق السرة وتحت الركبة للإجماع فبقي الباقي على الحرمة . وعن زيد بن أسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : " لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " ، وقيل : ما سوى الفرج حلال ، لأن المراد بالمحيض موضع الحيض فالمعنى فاعتزلوا موضع الحيض من النساء ، نعم المحيض الأول مصدر فيصلح عود الضمير إليه في قوله { قل هو أذى } أي الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه نفرة وكراهة على أنه يحتمل أن يكون بمعنى المكان والتقدير هو ذو أذى ، وإنما قدم قوله { هو أذى } لترتب الحكم وهو وجوب الاعتزال عليه . وذلك أن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من طريق الرحم ، حتى لو احتبست تلك الفضلة لمرضت المرأة . فذلك الدم جار مجرى البول والغائط فكان أذى وقذراً . ولا يرد عليه دم الاستحاضة حيث لا يوجب الاعتزال ، لأن ذاك دم صالح يسيل من عرق يتفجر في عنق الرحم ، ويؤيده ما روي في الصحيحين عن عائشة قالت : " جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال : لا ، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي " . ومعنى العرق أنه علة حدثت بها من تصدع العروق . وأصل الحيض في اللغة السيل . يقال : حاض السيل وفاض . قال الأزهري : منه قيل الحوض لأن الماء يحيض إليه أي يسيل . والواو والياء من حيز واحد . وقد ورد في الحديث لدم الحيض صفات منها السواد ويراد به أنه يعلوه حمرة متراكبة فيضرب من ذلك إلى السواد ، ومنها الثخانة ، ومنها المحتدم وهو المحرق من شدة حرارته ، ومنها أنه ذو دفعات أي يخرج برفق ولا يسيل سيلاً ، ومنها أن له رائحة كريهة ، ومنها أنه بحراني وهو الشديد الحمرة . وقيل : ما يحصل فيه كدورة تشبيهاً له بماء البحر . فمن الناس من قال : إن كان الدم موصوفاً بهذه الصفات فهو الحيض وإلا فلا ، وما اشتبه الأمر فيه فالأصل بقاء التكاليف ، وزوالها إنما كان بعارض الحيض . فإذا كان غير معلوم الوجود بقيت التكاليف الواجبة على ما كانت . ومنهم من قال : هذه الصفات قد تشتبه على المكلف فإيجاب التأمل في تلك الدماء وفي تلك الصفات يقتضي عسراً ومشقة ، فالشارع قدر وقتاً مضبوطاً متى حصلت الدماء فيه كان حكمها حكم الحيض ، ومتى حصلت خارج ذلك الوقت لم يكن حكمها حكم الحيض كيف كانت صفة تلك الدماء . أما السن المحتمل للحيض فأصح الوجوه أنها تسع سنين فإن رأت الصبية دماً قبل استكمال التسع فهو دم فساد . قال الشافعي : وأعجل من سمعت من النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين . وقيل : إن أول وقت الإمكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة . وقيل : بمضي ستة أشهر من السنة التاسعة . والاعتبار على الوجوه بالسنين القمرية تقريباً على الأظهر لا تحديداً ، حتى لو كان بين رؤية الدم وبين استكمال التسع على الوجه الأصح ما لا يسع حيضاً وطهراً ، كان ذلك الدم حيضاً وإلا فلا ، وأقل مدة الحيض عند الشافعي يوم وليلة ، وعند أبي حنيفة ثلاثة أيام ، وعن مالك لا حد لأقله . وأما أكثر الحيض فهو خمسة عشر يوماً وليلة لقول علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه : ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة . وعن عطاء : رأيت من تحيض يوماً ومن تحيض خمسة عشر يوماً . وأما الطهر فأكثره لا حد له . فقد لا ترى المرأة الدم في عمرها إلا مرة واحدة ، وأقله خمسة عشر يوماً ، وقال أحمد أقله ثلاثة عشر . وقال مالك : ما أعلم بين الحيضتين وقتاً يعتمد عليه لنا الرجوع إلى الوجود ، وقد ثبت ذلك من عادات النساء ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي " أشعر ذلك بأقل الطهر وأكثر الحيض . وغالب عادات النساء في الحيض ست أو سبع ، وفي الطهر باقي الشهر . قال صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش : " تحيضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء ويطهرن " ومعنى : " في علم الله " ، أي مما علمك الله من عادتك أو من غالب عادات النساء . ويحرم في الحيض عشرة أشياء : الصلاة والصوم والاعتكاف والمكث في المسجد و الطواف ومس المصحف وقراءة القرآن والسجود والغشيان بنص القرآن والطلاق في حق بعضهن ثم إن أكثر فقهاء الأمصار على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا يحل مجامعتها إلا بعد أن تغتسل عن الحيض ، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي والثوري . والمشهور عن أبي حنيفة أنها إن رأت الطهر دون عشرة أيام لم يقربها زوجها حتى تغتسل ويمضي عليها وقت صلاة ، وإن رأته عشرة أيام جاز له أن يقربها قبل الاغتسال . حجة الشافعي أن القراءة المتواترة حجة بالإجماع فإذا حصلت قراءتان متواترتان وجب الجمع بينهما ما أمكن . فمن قرأ " يطهرن " بالتخفيف فانتهاء الحرمة عنده انقطاع الدم ، ومن قرأ " يطهرن " بالتثقيل فالنهاية تطهرها بالماء ، والجمع بين الأمرين ممكن بأن يكون النهاية حصول الشيئين . ومعنى قوله { ولا تقربوهن } أي لا تجامعوهن وهذا كالتأكيد لقوله { فاعتزلوا } ويحتمل أن يكون ذلك نهياً عن المباشرة في موضع الدم وهذا نهي عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع . وأيضاً قوله { فإذا تطهرن فأتوهن } تعليق للإتيان على التطهر بكلمة " إذا " ، فوجب أن لا يجوز الإتيان عند عدم التطهر . والمراد بالتطهر الاغتسال ؛ لأن هذا الحكم عائد إلى ذات المرأة ، فوجب أن يحصل في كل بدنها لا في بعض من أبعاض بدنها . وعن عطاء وطاوس هو أن تغسل الموضع وتتوضأ . وقال بعضهم : غسل الموضع . ثم القائلون بوجوب الاغتسال أجمعوا على أن التيمم يقوم مقامه عند إعواز الماء { من حيث أمركم الله } أي من المأتى الذي أمركم به وحلله لكم وهو القبل . عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم وقتادة وعكرمة . وقال الأصم والزجاج : فأتوهن من حيث يحل لكم غشيانهن وذلك بأن لا يكنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات . وعن محمد ابن الحنفية : فأتوهن من قبل الحلال دون الفجور .

{ إن الله يحب التوابين } مما عسى أن يبدر عنهم من ارتكاب ما نهوا عنه من ذلك بمجامعة الحائض والطاهرة قبل الغسل وإتيان الدبر { ويحب المتطهرين } المتنزهين عن تلك الفواحش . فالتائب هو الذي فعله ثم تركه ، والمتطهر هو الذي ما فعله تنزهاً عنه لأن الذنب كأنه نجاسة روحانية حكمية { إنما المشركون نجس } [ التوبة : 28 ] أو يحب التوابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب ، ويحب المتطهرين من جميع الأقذار والأوزار .

/خ227