معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

قوله تعالى : { وإذا غشيهم موج كالظلل } قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب . والظل جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها ، وجعل الموج ، وهو واحد ، كالظلل وهي جمع ، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ، { دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } أي : عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له ، يعني : ثبت على إيمانه . قيل : نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف ، فقال عكرمة : لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولأضعن يدي في يده ، فسكنت الريح ، فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه . وقال مجاهد : فمنهم مقتصد في القول مضمر الكفر . وقال الكلبي : مقتصد في القول ، أي : من الكفار ، لأن بعضهم كان أشد قولاً وأعلى في الافتراء من بعض ، { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } والختر أسوأ الغدر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

وذكر تعالى حال الناس ، عند ركوبهم البحر ، وغشيان الأمواج كالظل{[675]}  فوقهم ، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ]{[676]}  والعبادة : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين :

فرقة مقتصدة ، أي : لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال ، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم .

وفرقة كافرة بنعمة اللّه ، جاحدة لها ، ولهذا قال : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ }{[677]}  أي غدار ، ومن غدره ، أنه عاهد ربه ، لئن أنجيتنا من البحر وشدته ، لنكونن من الشاكرين ، فغدر ولم يف بذلك ، { كَفُور } بنعم اللّه . فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة ، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه ؟


[675]:- في ب: كالظلل.
[676]:- زيادة من ب.
[677]:- كذا في ب، وزاد في أ: قوله تعالى: "كفور".
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أحوال الناس عندما تحيط بهم المصائب وهم فى وسط البحر فقال : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } .

وقوله { غَشِيَهُمْ } من الغشاء بمعنى : الغطاء . فيقال : غشى الظلام المكان ، إذا حل به واصل " الموج " الحركة والازدحام . ومنه قولهم : ماج البحر إذا اضطرب ارتفع ماؤه . والظلل : جمع ظلة - كغرفة وغرف - وهى ما أظل غيره من سحاب أو جبل أو غيرهما .

أى : وإذا ما ركب الناس فى السفن ، وأحاطت بهم الأمواج من كل جانب ، وأورشكت أن تعلوهم وتغطيهم . . فى تلك الحالة لجأوا إلى الله - تعالى - وحده ، يدعونه بإخلاص وطاعة وتضرع ، أن ينجيهم مما هم فيه من بلاء . . .

{ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ } - سبحانه - بفضله وإحسانه ، وأوصلهم { إِلَى البر } انقسموا إلى قسمين ، أما القسم الأول ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } أى : فمنهم من هو مقتصد ، أى : متوسط فى عبادته وطاعته ، يعيش حياته بين الخوف والرجاء .

قال ابن كثير : قال ابن زيد : هو المتوسط فى العمل ، ثم قال ابن كثير : وهذا الذى قاله ابن زيد هو المراد فى قوله - تعالى - : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات } فالمقتصد ها هنا هو المتوسط فى العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا - أيضا - ويكون من باب الإِنكار على من شاهد تلك الأهوال ، والأمور العظام ، والآيات الباهرات فى البحر ، ثم بعد ما أنعم الله عليه من الخلاص ، كان ينبغى أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والمبادرة إلى الخيرات ، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا ، والحالة هذه .

وأما القسم الثانى فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } .

والختار : من الختر . وهو أبشع وأقبح الغدر والخديعة . يقال فلانخاتر وختار وختير ، إذا كان شديد الغدر والنقض لعهوده ، ومنه قول الشاعر :

وإنك لو رأيت أبا عمير . . . ملأت يديك من غدر وختر

والكفور : هو الشديد الكفران والجحود لنعم الله - تعالى - .

أى : وما يجحد بآياتنا الدالة على قدرتنا ورحمتنا ، إلا من كان كثير النقض لعهودنا ، شديد النكران لنعمنا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ) . .

فأمام مثل هذا الخطر ، والموج يغشاهم كالظلل والفلك كالريشة الحائرة في الخضم الهائل . . تتعرى النفوس من القوة الخادعة ، وتتجرد من القدرة الموهومة ، التي تحجب عنها في ساعات الرضاء حقيقة فطرتها ، وتقطع ما بين هذه الفطرة وخالقها . حتى إذا سقطت هذه الحوائل ، وتعرت الفطرة من كل ستار ، استقامت إلى ربها ، واتجهت إلى بارئها ، وأخلصت له الدين ، ونفت كل شريك ، ونبذت كل دخيل . ودعوا الله مخلصين له الدين .

( فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) . .

لا يجرفه الأمن والرخاء إلى النسيان والاستهتار إنما يظل ذاكرا شاكرا ، وإن لم يوف حق الله في الذكر والشكر فأقصى ما يبلغه ذاكر شاكر أن يكون مقتصدا في الأداء .

ومنهم من يجحد وينكر آيات الله بمجرد زوال الخطر وعودة الرخاء : ( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) . . والختار الشديد الغدر ، والكفور الشديد الكفر ؛ وهذه المبالغة الوصفية تليق هنا بمن يجحد آيات الله بعد هذه المشاهد الكونية ، ومنطق الفطرة الخالص الواضح المبين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الاَلهة والأوثان في البحر ، إذا ركبوا في الفُلك ، موج كالظّل ، وهي جمع ظُلّة ، شبّه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء قال نابغة بني جعدة في صفة بحر :

يُماشِيهِنّ أخْضَرُ ذُو ظِلالٍ *** عَلى حافاتِهِ فِلَق الدّنانِ

وشبه الموج وهو واحد بالظلل ، وهي جماع ، لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء ، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل . وقوله : دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول تعالى ذكره : وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل ، فخافوا الغرق ، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة ، لا يشركون به هنالك شيئا ، ولا يدعون معه أحدا سواه ، ولا يستغيثون بغيره . قوله : فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى البَرّ مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البرّ . فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يقول : فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه ، وهو مع ذلك مضمر الكفر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال : المقتصد في القول وهو كافر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصدٌ قال : المقتصد الذي على صلاح من الأمر .

وقوله : وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ يقول تعالى ذكره : وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلاّ كلّ غدّار بعهده ، والختر عند العرب : أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب :

وَإنّكَ لَوْ رأيْتَ أبا عُمَيْرٍ *** مَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ

وقوله : كَفُورٌ يعني : جحودا للنّعم ، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة . وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : كلّ غدّار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله كُلّ خَتّارٍ قال : غدّار .

حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : غدّار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ الختار : الغدار ، كلّ غدار بذمته كفور بربه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : كلّ جحاد كفور .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال : الختار : الغدّار ، كما تقول : غدرني .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، قال : سمعت قَتادة قال : الذي يغدر بعهده .

قال : ثنا المحاربي ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، قال : الغدّار .

قال : ثنا أبي : عن الأعمش ، عن سمر بن عطية الكاهلي ، عن عليّ رضي الله عنه قال : المكر غدر ، والغدر كفر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ} (32)

{ وإذا غشيهم } علاهم وغطاهم . { موج كالظلل } كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال . { دعوا الله مخلصين له الدين } لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد . { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد ، أو متوسط في الكفر لإنجازه بعض لانزجاره بعض الانزجار . { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار } غدار فإنه نقض للعهد الفطري ، أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر . { كفور } للنعم .