معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

قوله تعالى : { يكاد البرق } . أي يقرب ، يقال : كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل .

قوله تعالى : { يخطف أبصارهم } . يختلسها ، والخطف استلاب بسرعة .

قوله تعالى : { كلما } . كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما .

قوله تعالى : { أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا } . أي وقفوا متحيرين ، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة وسواد في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري لا يمكنه المشي فيها ، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله ، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده ، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه ، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان ، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك ، والرعد ما خوفوا به من الوعيد ، وذكر النار ، والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة . فالكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) أي القرآن يبهر قلوبهم . وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام ، فالمطر الإسلام ، والظلمات ما فيه من البلاء والمحن ، والرعد : ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة ، والبرق ما فيه من الوعد ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك ، ( والله محيط بالكافرين ) جامعهم ، يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم ، ( يكاد البرق ) يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة ، ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة . وقيل معناه كلما نالوا غنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم ، ( وإذا أظلم عليهم ) يعني : رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال الله تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) .

قوله تعالى : { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } . أي بأسماعهم .

قوله تعالى : { وأبصارهم } . الظاهرة : كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة ، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر .

قوله تعالى : { إن الله على كل شيء قدير } . قادر . ثم قرأ ابن عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ثم قال - تعالى - : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } .

يكاد من الأفعال التي تدخل على اسم يسند إليه فعل بعده نحو { البرق يَخْطَفُ } . فتدل على أن المسند إليه وهو البرق قد قارب أن يقع منه الفعل وهو خطف الأبصار .

والخطف : الأخذ بسرعة . والأبصار : جمع بصر ، وهو قوة مودعة في العين يدرك بها الألوان والأشكال . والمعنى : أن البرق لشدة لمعانه يقرب من أن يخطف أبصارها ، وهو تصوير بليغ الشدة ذلك البرق ، وترك بيان شدة الرعد اكتفاء بما ذكره في جانب البرق ، ولم يذكر توقيهم للأعين بوضع شيء عليها اكتفاء بما ذكره في توقي الآذان أو لأنهم شغلوا بالآذان عن الأعين .

وقوله - تعالى - : { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وصف رائع لما يصنعه أهل الصيب في حالتي ظهور البرق واختفائه .

وكل ظرف ، وما مصدرية ولا تصالها بكل أفادت الشرط والعامل فيها هو جوابها وهو { مَّشَوْاْ } و { أَضَآءَ } و { أَظْلَمَ } من الإِظلام وهو اختفاء النور . { قَامُواْ } أي وقفوا وثبتوا في مكانهم . من قام الماء إذا جمد . ويقال : قامت الدابة إذا وقفت .

والمعنى : أنهم إذا صادفوا من البرق وميضاً انتهزوا ذلك الوميض فرصة ، فخطوا خطوات يسيرة ، وإذا خفى لمعانه وقفوا في مكانهم ، فالجملة الكريمة تدل على فرط حرصهم على النجاة من شدة ما هم فيه من أهوال .

ثم قال - تعالى - : { وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } .

لو : أداة شرط ، وشاء بمعنى أراد . أي : لو أراد الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لزاد في قصف الرعد فأصمهم ، وفي ضوء البرق فاعماهم . أو يقال : إن قصف الرعد ولمعان البرق المذكورين في المثل سببان كافيان لأن يذهبا بسمع ذوي الصيب وأبصارهم لو شاء الله ذلك . فيكون قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ } ، إشعاراً بأن تأثير الأسباب في مسبباتها إنما هو بإرادته - تعالى - . وخص السمع والبصر بالذهاب مع أنها من جملة مشاعرهم ، لأهميتها . ولأنها هي التي سبق ذكرها ، أو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى ، لأنه إذا كان قادراً على إذهاب ما حافظوا عليه ، كان قادراً على غيره من باب أولى .

ثم ختم الآية بقوله - تعالى - { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

الشيء في أصل اللغة كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ، ويحمل في هذه الآية على الممكن خاصة موجوداً كأن أو معدوماً ، لأن القدرة إنما تتعلق بالممكنات دون الواجب والمستحيل .

والقدير : الفعال لما يريد ، يقال : قدره على الشيء أقدره قدرة وقدراً .

وهذه الجملة الكريمة بمنزلة الاستدلال على ما تضمنته الجملة السابقة من أن الله تعالى قادر على أن يذهب بأسماع أصحاب الصيب وأبصارهم متى شاء .

وتطبيق هذا المثل على المنافقين يقال فيه : إن أصحاب الصيب لضعفهم وخورهم لا يطيقون سماع الرعد الهاثل ، ولا يستطيعون فتح أعينهم في البرق اللامع ، فيجعلون أصابعهم في آذانهم فزعاً من قصف الرعد ، وخوفاً من صواعق تجلجل فوق رءوسهم فتدعهم حصيداً خامدين ، وكذلك حال هؤلاء المنافقين فإنهم لضعف بصائرهم ، وانطماس عقولهم ، تشتد عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه ، فتشمئز قلوبهم ويصرفون عنه أسماعهم خشية أن تتلى عليهم آيات تقع على أسماعهم وقع الصواعق المهلكة . قال ابن كثير : " وذهب ابن جرير ومن تبعه من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين ، وتكون " أو " في قوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ } بمعنى الواو ، كقوله تعالى { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } أو تكون للتخيير ، أي ، اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا ، أو للتساوى مثل : جالس الحسن أو ابن سيرين . قلت : وهذا يكون باعتبار أجناس المنافقين ، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة بقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي } { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ الله } { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات } الخ . فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم .

/خ20

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ثم قال : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي : لشدته وقوته في نفسه ، وضعف بصائرهم ، وعدم ثباتها للإيمان .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } يقول : يكاد مُحْكَمُ القرآن يدل على عورات المنافقين .

وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الحق ، { كلما أضاء لهم مشوا فيه وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا{[1325]} به واتبعوه ، وتارة تعْرِض لهم الشكوك أظلمت قلوبَهم فوقفوا حائرين .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } يقول : كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر ، كقوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ]{[1326]} } الآية [ الحج : 11 ] .

وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أي : يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه{[1327]} إلى الكفر { قَامُوا } أي : متحيرين .

وهكذا قال أبو العالية ، والحسن البصري ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي بسنده ، عن الصحابة وهو أصح وأظهر . والله أعلم .

وهكذا يكونون{[1328]} يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم ، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ ، وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ، ومنهم من يطْفَأ نوره تارة ويضيء له أخرى ، فيمشي{[1329]} على الصراط تارة ويقف أخرى . ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين ، الذين قال تعالى{[1330]} فيهم : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } [ الحديد : 13 ] وقال في حق المؤمنين : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ } الآية [ الحديد : 12 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التحريم : 8 ] .

ذكر الحديث الوارد في ذلك :

قال سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة في قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } الآية [ الحديد : 12 ] ، ذكر لنا أن النبي{[1331]} صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن ، أو بين{[1332]} صنعاء ودون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " . رواه ابن جرير .

ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن دَاوَر{[1333]} القطان ، عن قتادة ، بنحوه .

وهذا كما قال المِنْهَال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يرى{[1334]} نوره كالنخلة ، ومنهم من يرى{[1335]} نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورًا على إبهامه يطفأ مرة ويَقِد{[1336]} مرة .

وهكذا رواه ابن جرير ، عن ابن مُثَنَّى ، عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن المنهال .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافسي{[1337]} حدثنا ابن إدريس ، سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود : { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [ التحريم : 8 ] قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نورًا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى .

وقال ابن أبي حاتم أيضًا : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا أبو يحيى الحِمَّاني ، حدثنا عُتْبَةُ{[1338]} بن اليقظان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورًا يوم القيامة ، فأما المنافق فيطفأ نوره ، فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين ، فهم يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا .

وقال الضحاك بن مزاحم : يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورًا ؛ فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا ، فقالوا : " ربنا أتمم لنا نورنا " .

/خ20


[1325]:في أ: "استضاءوا".
[1326]:زيادة من جـ.
[1327]:في أ: "فيه".
[1328]:في جـ: "يكذبون"، وفي أ: "يكون".
[1329]:في أ، و: "ومنهم من يمشي".
[1330]:في جـ، ط، ب، أ، و: "الله".
[1331]:في جـ، ط، ب، أ، و: "أن نبي الله".
[1332]:في جـ، ط، ب، "أبين و".
[1333]:في أ: "داود".
[1334]:في و: "يؤتى".
[1335]:في أ، و: "يؤتى".
[1336]:في جـ: "ويتقد".
[1337]:في جـ: "الطيالسي".
[1338]:في جـ: "عتيبة".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 20 )

ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي ، فهنا لم يخطف البرق الأبصار ، والخطف الانتزاع بسرعة .

واختلفت القراءة في هذه اللفظة( {[316]} ) فقرأ جمهور الناس : «يَخْطَف أبصارهم » بفتح الياء والطاء وسكون الخاء ، على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب ، وهي القرشية .

وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب : «يَخْطِف » بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي «خَطَف » بفتح الطاء ، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء ، وذلك وهم .

وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة : «يَخِطِّف » بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء ، وهذه أصلها «يختطف » أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين .

وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد «يَخَطِّف » بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة .

قال أبو الفتح : «أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء » .

وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضاً ، أنه قرأ «يَخَطَّف » بفتح الياء والخاء والطاء وشدها .

وروي أيضاَ عن الحسن والأعمش «يخطِّف » بكسر الثلاثة وشد الطاء منها . وهذه أيضاً أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء إتباعاً .

وقال عبد الوارث : «رأيتها في مصحف أبي بن كعب » يَتَخَطَّف «بالتاء بين الياء والخاء » .

وقال الفراء : «قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة » .

قال أبو الفتح : «إنما هو اختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام ، وذلك لا يجوز » .

قال القاضي أبو محمد : لأنه جمع بين ساكنين دون عذر .

وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية .

ومعنى : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم ، ومن جعل { البرق } في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم .

و { كلما } ظرف( {[317]} ) ، والعامل فيه { مشوا } وهو أيضاً جواب { كلما } ، و { أضاء } صلة ما ، ومن جعل { أضاء } يتعدى قدر له مفعولاً ، ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك .

وقرأ ابن أبي عبلة : «أضا لهم » بغير همز ، وهي لغة .

وفي مصحف أبي بن كعب : «مروا فيه » .

وفي قراءة ابن مسعود «مضوا فيه » .

وفي الضحاك : «وإذا أُظلِم » بضم الهمزة وكسر اللام ، و { قاموا } معناه ثبتوا ، لأنهم كانوا قياماً ، ومنه قول الأعرابي : «وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره »( {[318]} ) يريد أثبت الدهر ، ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم .

وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية : كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك . وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم . ( {[319]} )

وقال قوم : معنى الآية : كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه ، فإذا افتضحوا عندكم قاموا ، ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع .

وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم .

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : «ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم » وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية . ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم ، وبكل مذهب من هذين قال قوم .

وقوله تعالى : { على كل شيء } لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه( {[320]} ) و { قدير } بمعنى قادر ، وفيه مبالغة ، وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك .


[316]:- جملة القراءات التي أشار إليها المؤلف رحمه الله: تسع، أفصحها وأصحها ما عليه السبعة، والقراءة التي حكاها الفراء عن بعض أهل المدينة لا تجوز، كما قاله أبو الفتح بن جني، والباقي شذوذ تجري عليه أحكامه.
[317]:- أصلها (كل) ثم دخلت (ما) المصدرية الظرفية فأصحبت (كلما) كلمة تؤدي معنى الظرفية وتفيد التكرار في المعنى.
[318]:- في الصحاح: الصعر: الميل في الخد خاصة، وقد صعر خده وصاعره: أماله من الكبر- وفي اللسان: ولأقيمن صعرك: أي ميلك على المثل- وفي حديث توبة كعب: فأنا إليه أصعر: أي أميل.
[319]:- يشهد له قوله تعالى: [ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن إصابته فتنة انقلب على وجهه].
[320]:- فيخرج المستحيل، على أن لفظ شيء محرز، لأنه بمعنى الموجود عند أهل السنة، والمستحيل غير موجود.