بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

قوله تعالى : { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم } ، أي ضوء البرق ، يذهب ويختلس بأبصارهم من شدة ضوء البرق فكذلك نور إيمان المنافق يكاد يغطي على الناس كفره في سره ، حتى لا يعلموا كفره . وقد قيل : معناه يكاد أن يظهر عليهم نور الإسلام ، فيثبتون على ذلك .

ثم قال : { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } ، أي كلما لمع البرق في الليلة المظلمة مضوا فيه ، { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } ، أي إذا ذهب ضوء البرق { قَامُواْ } متحيرين فكذلك المنافق ، إذا تكلم بلا إله إلا الله ، يمضي مع المؤمنين ، ويمنع بها من السيف ، فإذا مات بقي متحيراً نادماً . ويقال : معناه { يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم إِنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } [ البقرة : 20 ] أي كلما ظهر لهم دليل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وظهر لهم علاماته مالوا إليه ، { وإذا أظلم عليهم } ، أي إذا أصاب المسلمين محنة ، كما أصابتهم يوم أحد ، وكما أصابتهم يوم بئر معونة { قاموا } أي ثبتوا على كفرهم .

وروى أسباط ، عن السدي أنه قال : كان رجلان من المنافقين هربا من المدينة إلى المشركين ، فأصابهما من المطر الذي ذكر الله فيه ظلمات ورعد وبرق ، كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما فإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا شيئاً ، فقاما مكانهما فجعلا يقولان : يا ليتنا لو أصبحنا فنأتي محمداً صلى الله عليه وسلم فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما ، فضرب الله في شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة ، ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَاء الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبصارهم } ، قال بعضهم { بسمعهم } الظاهر الذي في الرأس { وأبصارهم } التي في الأعين ، كما ذهب بسمع قلوبهم ، وأبصار قلوبهم عقوبة لهم . قيل : معناه ، ولو شاء لجعلهم صماً وعمياً في الحقيقة ، كما جعلهم صماً وعمياً في الحكم . قد قيل : معناه ، { ولو شاء الله } لجعلهم صماً وعمياً في الآخرة ، كما جعلهم في الدنيا . وروي في إحدى الروايتين ، عن ابن عباس أنه قال : هذا من المكتوم الذي لا يفسر . ثم قال تعالى : { إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } من العقوبة وغيرها .