غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

17

{ يكاد } من أفعال المقاربة . كاد يفعل كذا يكاد كوداً ومكاداً ومكادة وضعت لمقاربة الشيء ، فعل أو لم يفعل . فمجرده ينبئ عن نفي الفعل ، ومقرونه بالجحد ينبئ عن وقوع الفعل . وخبر كاد فعل مضارع بغير " أن " وهو ههنا { يخطف } والبرق اسمه والخطف الأخذ بسرعة ، { كلما أضاء لهم } استئناف ثالث كأنه قيل : كيف يصنعون في حالتي خفوق البرق وفتوره ؟ وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم ممشى ومسلكاً أخذوه والمفعول محذوف ، وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره . والمشي جنس الحركة المخصوصة وفوقها السعي وفوقه العدو . و{ أظلم } إما لازم وهو الظاهر ، وإما متعد منقول من ظلم الليل أي أظلم البرق الطريق عليهم بأن فتر عن لمعانه ، ومعنى { قاموا } وقفوا وثبتوا في مكانهم من قام الماء جمد . وإنما قيل مع الإضاءة { كلما } ومع الإظلام { إذا } لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه ، وكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها فخطوا خطوات يسيرة ، وليس كذلك التوقف والتحبس ، ولو شاء الله لزاد في قصف الرعد فأصمهم ، وفي الضوء البرق فأعماهم . ومفعول { شاء } محذوف ، لأن الجواب يدل عليه . والمعنى ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، وهذا الحذف في { شاء } و " أراد " كثير لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كقوله :

فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته *** عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

وقال عز من قائل { لو أرذنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه } [ الأنبياء : 17 ] وكلمة { لو } تفيد انتفاء الثاني لانتفاء الأول . وقد تجيء للمبالغة كقوله " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " والمراد أن عدم العصيان ثابت على كل حال لأنه على تقدير عدم الخوف ثابت ، فعلى تقدير الخوف أولى . والشيء أعم العام كما أن الله أخص الخاص ، يجري على الجوهر والعرض والقديم والحادث بل على المعدوم والمحال . وهذا العام مخصوص بدليل العقل ، فمن الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل والواجب وجوده لذاته ، وأما الممكن فإبقاؤه على العدم وكذا إيجاده وإبقاؤه على وجوده ، لأن جميع ذلك بقدرة القادر فلا يستغنى آناً من الآنات ولحظة من اللحظات عن تأثير القادر فيه . وقدرة كل قادر على مقدار قوته واستطاعته ، ونقضيها العجز . فلا قادر بالحق إلا هو سبحانه وتعالى .